FINANCIAL TIMES

انخفاض منسوب نهر الراين يعيق أكبر اقتصاد أوروبي

انخفاض منسوب نهر الراين يعيق أكبر اقتصاد أوروبي

اشتر قطعة من الخبز في ألمانيا وهناك احتمال كبير أنها مصنوعة من دقيق تنتجه مجموعة غود ميلز، التي تنتشر منشآتها لمعالجة الحبوب عند ضفاف نهر الراين. الآن المجموعة على بعد أيام قليلة للحد من الإنتاج لأن موجة الحرارة الصيفية الحارقة تعمل على تجفيف الممر المائي التجاري الرئيسي في أوروبا.
قال رومان موبوس، رئيس الخدمات اللوجستية في الشركة: "في بعض المواقع، تمتلئ مستودعاتنا بنسبة تصل إلى 90 في المائة"، مضيفا أن المواقع ستغلق إذا لم تتمكن من تحويل منتجاتها في أقرب وقت بسعر معقول.
تضخمت مخاوف موبوس مع تراجع منسوب المياه في نهر الراين إلى مستويات منخفضة جديدة، بعد فصل صيف شديد الحرارة أعقب فصل ربيع لافح وفصل شتاء جاف بشكل غير عادي. عند نقطة القياس في مدينة كاوب، 40 ميلا غرب فرانكفورت، انخفض منسوب المياه إلى 47 سنتيمترا الأسبوع الماضي، أي أقل كثيرا من مستوى 80 سنتيمترا المطلوب لعبور السفن المحملة بأمان.
نتيجة لذلك أصبحت سفن الحاويات تحمل جزءا صغيرا من حمولتها المعتادة، ما يؤدى إلى ارتفاع تكاليف النقل، إضافة إلى حالات تأخير حادة في عمليات التسليم، تماما في وقت تعالج فيه ألمانيا تضخما مرتفعا وأزمات في سلسلة التوريد.
مجموعة الضغط التجارية، بي دي آي، حذرت من أن "مستويات المياه المنخفضة ستزيد الضغط على السعة في المجاري المائية الداخلية عالية الاستخدام أصلا".
يقول محللون إن مستويات المياه من الممكن أن تكون ذات تأثير أكبر مما حدث خلال الجفاف الحاد الأخير في عام 2018، عندما توقف شحن البضائع بالكامل، ما أدى إلى اختناق إنتاج الكيماويات والصلب ومحو مليارات اليورو من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
قال الاقتصادي مارك شاتينبيرج، من دويتشه بانك: "قبل أربعة أعوام تعطل الشحن لمدة سبعة أسابيع تقريبا، من منتصف تشرين الأول (أكتوبر). هذه المرة من الممكن أن تستمر المشكلات لفترة أطول كونها بدأت في منتصف الصيف"، مضيفا أن الخلفية الاقتصادية كانت أسوأ هذه المرة.
وبحسب موبوس، هناك مجموعة من العوامل، من بينها الرسوم الإضافية الجديدة لتكاليف الطاقة المرتفعة ونقص السفن، التي عملت مجتمعة على ترك الشركات مع قليل من المساحة للمناورة.
أعلنت شركة كونتارغو التي تتعاقد مع السفن لنقل البضائع على نهر الراين، أنها فرضت رسوما إضافية 775 يورو لكل حاوية 40 قدما يتم شحنها – أي نحو ثلاثة أضعاف التكاليف الاعتيادية.
قال المدير الإداري، مارسيل هولسكر، الذي يتولى تشغيل السفن على النهر منذ 30 عاما: "من الصعب جدا أن تشرح لشخص يحجز سفينة من هونج كونج إلى فرانكفورت أن هناك مستويات مياه منخفضة على نهر الراين".
إضافة إلى عدم هطول الأمطار الاختناقات "لها علاقة بالحرب" في أوكرانيا. فقد أعيد نشر القوارب لنقل الحبوب عبر نهر الدانوب نتيجة لحصار مضروب على موانئ البحر الأسود تم رفعه مؤقتا فقط. كذلك كان يتم دفع مبالغ هائلة لسفن أخرى لنقل الفحم، بعدما سارعت ألمانيا لخفض اعتمادها على الطاقة الروسية عبر تكثيف القدرة في محطات الطاقة التي تعمل بالفحم.
قال هولسكر إن شركته تدفع عادة نحو 3500 يورو على البارجة التي تحمل الحاويات "ويدفع آخرون الآن ما يصل إلى عشرة آلاف يورو لنقل الفحم". وبحسب شخصين مطلعين على آليات التسعير الحالية، كانت مجموعات الطاقة تدفع حتى لشركات الشحن للقيام برحلات عودة فارغة إلى موانئ مدن أنتويرب، وروتردام، وجينت.
شركة دويتشه ترانسبورت-جينوسنشافت التي تشغل 100 سفينة، أو نحو ذلك على نهر الراين "تتلقى طلبات كل يوم" لشحنات الفحم، وفقا لما لمديرها الإداري، روبرتو سبرانزي، الذي أضاف أن كثيرا من السفن المناسبة لهذا الغرض تم بيعها لأن صناعة الفحم الألمانية كانت في مرحلة أفول قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا.
لم يكن أمام ألمانيا خيار سوى استيراد الفحم عبر نهر الراين، وهو اعتماد حذر شاتينبيرج، من دويتشه بانك، بأنه "يمكن أن يصبح نقطة ضعف" أكبر اقتصاد في أوروبا. وبالفعل حذرت شركة المنافع، يونيبر، من أنها قد تضطر إلى تقليص الإنتاج في مصنعها في شتاودنغر على ضفاف نهر الماين، أحد روافد نهر الراين، بسبب إمدادات الفحم المحدودة.
لكن كلاوس مولر، رئيس وكالة الشبكة الفيدرالية، الهيئة الحكومية التي تشرف على الإمدادات، شدد على أن مصانع الفحم في البلاد لديها مخزون كاف – في الوقت الحالي. قال: "المشكلات الحالية على نهر الراين مؤقتة. ستحل نفسها كلما اقتربنا من فصل الشتاء".
مشكلة أخرى تواجه الصناعة هي أن مياه نهر الراين دافئة على نحو غير عادي. أشار محللو وكالة "موديز" الأسبوع الماضي إلى أن درجة حرارة المياه بالقرب من مصنع لودفيجشافن للمواد الكيميائية، جنوب فرانكفورت، كانت عند درجتين مئويتين فقط دون الحد الأدنى المحدد للحد من تصريف مياه التبريد مرة أخرى في الأنهار ـ فرنسا غيرت بالفعل قواعدها للسماح لمصانعها النووية بتصريف المياه الساخنة في مجاريها المائية.
في الوقت الحالي تقول شركة بي إيه إس إف وشركة صناعة الصلب تيسين كروب، أكبر المجموعات الصناعية التي تعتمد بشكل كبير على النقل عبر نهر الراين، إن إنتاجهما ظل غير متأثر بانخفاض مستويات المياه، ويرجع ذلك جزئيا إلى الاعتماد الأكبر على الشحن بالسكك الحديدية والاستثمار في القوارب الحديثة.
ولا يزال مستوى المياه في كاوب أعلى كثيرا من 25 سنتيمترا هو أدنى مستوى تم تسجيله في عام 2018، ومن المتوقع هطول بعض الأمطار هذا الشهر. لكن شركة بي إيه إس إف حذرت من أنها "لا يمكن أن تستبعد تماما خفض معدلات الإنتاج في مصانع معينة خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
لكن مع تقلبات التكاليف بشكل كبير أصبح من الصعب بشكل متزايد التنبؤ بمدى تأثير الجفاف هذا الصيف في طريق النقل الحيوي.
قال سبرانزي، من شركة دي تي جي: "أعود إلى المنزل في المساء بخطة ثم آتي إلى المكتب في الصباح وأضع خطة جديدة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES