Author

الأسواق الناشئة والنظام المالي العالمي

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

يشهد العالم صراعا ليس فقط لأسباب اقتصادية وإنما لأسباب أمنية وجيوسياسية واستراتيجية أيضا، فمنذ تأسيس البريكس «الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا» والعالم يشهد تشكل مجموعة منافسة قوية من خارج المجموعة الصناعية G7 على الرغم من الضعف الهيكلي لدول البريكس في تحويل العلوم لتقنية وفي الموارد البشرية، لذا تم عمل إصلاحات موجهة نحو التعليم والاستثمار الأجنبي ودخول الحكومات في المشاريع الصناعية، إضافة إلى دعم منتجاتهم دوليا عبر النفوذ السياسي للتغلب على الوهن الهيكلي.
في المقابل أمريكا تعتمد على عملتها في ضبط الأداء الاقتصادي العالمي بطريقة قسرية من خلال حركة الفائدة وتسعير الأصول والنفط والتجارة العالمية في الدولار، وفي الوقت نفسه تستخدم عملتها لمعاقبة خصومها، لهذا تحاول البريكس التي تضم الأسواق الناشئة الكبرى، استحداث أسواق ومؤسسات مالية وآليات جديدة لا تعتمد على الدولار، بمعنى آخر، هي محاولة وصول مفتوح لنظام مالي عالمي جديد يمكن من خلاله تجاوز أي قيود تفرضها أمريكا أو G7 عليها، ولتلك الأسباب وغيرها تحاول الصين ودول المجموعة تنفيذ تجارة ثنائية ومع دول أخرى وزيادة التسويات التجارية تدريجيا بعملات غير الدولار. وبالفعل، نجحت الصين - على سبيل المثال - في توسيع عمليات المقاصة التجارية مع البريكس وسنغافورة وتايوان وألمانيا والمملكة المتحدة، وأصبح التبادل أمرا ممكنا. أما الهند، فتعد ذلك، أي تبادل التجارة والمقاصة بالعملات المحلية، خطا احتياطيا يستخدم أثناء أزمات ميزان المدفوعات، ولهذا نرى الضغط الأمريكي على الهند أقل منه على الصين، ثم إن الهند لا تزال تخشى من فقدان التمويل والاستثمار الأمريكي والأوروبي، لذا تتحرك بحذر. أما روسيا، التي في وجه المدفع الآن، فقد غيرت هيكل احتياطاتها بشكل كبير، وبما أن الجهود مستمرة في تقويض هيمنة الدولار منذ زمن، فحصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي تراجعت بالفعل إلى أقل 59 في المائة 2021 مقارنة بـ71.5 في المائة 2001، كما تقدمت العملة الصينية من حيث التداول من المرتبة 29 في 2014 إلى المرتبة الثامنة في 2019، وإضافة إلى ما سبق أسست مجموعة البريكس مؤسسات ومنظومة مدفوعات وآليات سوق جديدة وتم بالفعل إطلاق بنك التنمية الجديد وصندوق احتياطيات مالية طارئة وهي مؤسسات مالية مماثلة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي هيكليا في النظام العالمي، ومشاريعهم مستمرة لاستبدال نظام "سويفت" الذي تسيطر عليه أمريكا، وذهبت الصين لأبعد من ذلك، أطلقت آليات سوق جديدة، مثل عقود النفط الآجل باليوان مع قابلية تحويلها إلى ذهب عبر بورصتي شنغهاي وهونج كونج.
في الختام، واستنادا إلى ما سبق، لا يزال الطريق بعيدا لقيام نظام اقتصادي ومالي وسياسي متعدد الأقطاب، لأن من شأن ما تقوم به البريكس نشوء حرب حتمية بين القوى، إلا إذا تم التحول لنظام جديد واستغلال التقنية وتفعيل البنوك اللامركزية حول العالم وإنشاء أدوات سوق وبنية تقنية مالية جديدة.
إنشرها