Author

هل تنجو أوروبا من زمهرير الشتاء؟

|
مختص في شؤون الطاقة
ذكرت سابقا أن هناك سعيا حثيثا وجادا من بعض دول أوروبا إلى حظر صادرات النفط الروسية، وإن كان هناك تباين واضح من الدول حول التعاطي مع هذا التوجه، فاعتماد دول أوروبا على النفط والغاز الروسيين متباين، حيث إن الدول الأقل اعتمادا على شرايين الطاقة الروسية هي الأكثر حدة وصرامة في المطالبة بإنزال أشد العقوبات الاقتصادية على روسيا، وفي مقدمتها حظر صادراتها النفطية. الدول الأشد حاجة إلى منتجات الطاقة الروسية ورغم رغبتها في تضييق الخناق على روسيا، إلا أن هناك مصالح عليا لهذه الدول تغير موازين التعاطي مع هذا الملف الحيوي. المتمعن في الحرب الروسية الأوكرانية يلاحظ أنه وعلى الرغم من حدة التصعيد والتصريحات التي تطلق من منابر الاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك خطا أحمر وإن كان باهتا، يحاول الطرفان - وأعني هنا روسيا من جهة ودول أوروبا وحلفاءها من جهة أخرى - عدم تجاوزه واحترامه لمصلحة الطرفين، حيث إن تجاوز هذا الخط سيجر أوروبا، بل أسواق الطاقة العالمية إلى أزمة هي الأشد في رأيي.
نلاحظ أن هناك دولا تسعى جاهدة إلى التملص من بعض القرارات التي اتخدها الاتحاد الأوروبي أو تأخيرها في أسوأ الأحوال، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - الحظر الكلي لصادرات النفط الروسية، حيث إن هذه الدول تعي تماما - في رأيي - تبعات هذه القرارات الاقتصادية القاسية التي لا تتحملها أسوة ببعض الدول الأوروبية التي قد تستطيع تحمل الوضع لمدة أطول ولديها هوامش أعلى للمناورة والمفاوضة. قضية روسيا وأوكرانيا هي قضية معقدة جدا في اعتقادي، حيث تحكمها عوامل اقتصادية وسياسية وجيوسياسية، بل اجتماعية، ومصالح ترتقي إلى أن تكون مصالح وجودية، فروسيا رغم التكتلات الأوروبية مع حلفائها التي نتجت عنها عقوبات تاريخية طالت جل مفاصل الاقتصاد الروسية إلا أن الأخيرة لم تقطع إمداداتها كليا من الطاقة إلى أوروبا، وفي المقابل لم تستطع أوروبا الاستغناء كليا عن مصادر الطاقة الروسية المختلفة، وعلى رأسها الغاز بلا شك.
من الجلي أن ملامح أزمة الطاقة في أوروبا بدأت تطل برأسها القبيح على دول أوروبا التي تحاول جاهدة وضع خطط طوارئ من وجهة نظري قبل دخول فصل الشتاء، فبعض الدول أخطرت بعض المدن عن وجود عجز متوقع في فصل الشتاء قد يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي عن بعض الأجزاء، ودول أخرى بدأت برامج توعوية مكثفة لحث المستهلكين على الترشيد خلال فصل الشتاء لشح الإمدادات.
هذا الاستنفار قبل فصل الصيف هو استنفار متوقع وستزداد وتيرته كلما قرب دخول فصل الشتاء، وقد نرى إجراءات وقائية أكثر قوة، حيث إن روسيا ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم بنحو 11 مليون برميل يوميا، وبصادرات تبلغ نحو سبعة ملايين برميل يوميا، وهي أيضا أكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238.1 مليار متر مكعب. السؤال العريض والمهم - في رأيي - لأسواق الطاقة عموما ولأوروبا خصوصا هو: "هل ستنجو أوروبا من زمهرير الشتاء؟" أم أن الطرفين في حاجة ماسة إلى تقارب أكثر ومساومات سياسية أقل حدة لتجاوز هذه الأزمة؟ في رأيي، أنه رغم صعوبة الموقف إلا أن هناك أملا ولو كان ضئيلا لتحقيق ذلك، وكما قيل الأيام حبلى يلدن كل عجيب!
إنشرها