Author

استثمارات متجددة بتكلفة رخيصة

|

تنبئ مختلف المؤشرات بمنافع اقتصادية جمة تعود على الاستثمار في توليد الطاقة الشمسية، ويتوقع الخبراء زيادة نسبة الطاقة المولدة من مصادر متجددة بشكل كبير ومتنام خلال الأعوام المقبلة، فمثلا في 2021 زادت 8 في المائة لتصل إلى 8300 تيراواط/ الساعة، فيما يعد أسرع معدل سنوي لنمو هذا القطاع منذ سبعينيات القرن الـ 20، وتمثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ثلثي هذا النسبة. الطاقة الشمسية طاقة نظيفة ومتجددة تزداد أهمية في سوق الطاقة إلى جانب الطاقات المتجددة الأخرى، التي يعود مصدرها إلى الرياح والكتل الحيوية. وقد شهدت أخيرا انخفاضا في تكاليف الإنتاج بشكل يؤهلها للمنافسة في سوق الطاقة المتنوعة. ونلاحظ كيف أن كثيرا من دول العالم اتجهت اتجاها قويا إلى نشر كثير من مشاريع الطاقة الشمسية للاستفادة منها في خدمات توليد الطاقة للاحتياجات المعيشية اليومية في إنارة المنازل والشوارع واستخراج المياه من الآبار الجوفية وأيضا الاستخدامات المتنوعة في المزارع.
ولذلك فإن العالم قد أصبح فعليا يتجه إلى البحث عن إنتاج طاقة من موارد طبيعية أخرى، والحلول اليوم تتركز على تطوير تقنيات إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، وهي مصادر تتصدرها الطاقة الشمسية والرياح، ويتطلب تحقيق هذه الرؤية زيادة القدرة العالمية للطاقة الشمسية إلى 4600 جيجاواط بحلول 2050. ولذا تتسارع الاستثمارات بشكل محموم لجعل هذه الطاقة متاحة وبديلا مناسبا عن الطاقة التقليدية، فالاستثمارات العالمية في مشاريع الطاقة الشمسية حققت 120 مليار دولار بارتفاع 33 في المائة، خلال النصف الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وحققت المشاريع المرتبطة بالطاقة المولدة من الرياح 84 مليار دولار بزيادة 16 في المائة، والتصاعد المستمر في هذه الاستثمارات يحل أهم معضلة كانت تقف أمام مساعي تطوير هذه الصناعة، وهي ضعف الاستثمارات، نظرا إلى ضعف العوائد والتكاليف المرتفعة، ونجحت دول عدة في تطوير حوافز ضريبية ودعم لهذه الصناعة، ما شجع المستثمرين وسرع تطوير هذه التكنولوجيا بشكل لافت، فقد نشرت تقارير تؤكد أن تكاليف تركيب نظام واحد من الطاقة الشمسية انخفض 85 في المائة بين 2010 و2019، بينما شهدت أسعار تركيب نظام الطاقة المولدة من الرياح انخفاضا بـ 55 في المائة، وتعد تكاليف إنتاج الطاقة الشمسية أرخص وسائل توليد الكهرباء، وهذا يضعنا أمام سؤال عن تأخر انتشار هذه الطاقة في العالم كبديل عن الطاقة الحالية من أجل تحقيق إنجاز بشري نحو خفض حرارة الأرض، فرغم كل هذه الجهود ومن بين جميع مصادر الطاقة يتفوق الوقود الأحفوري الذي يشكل حتى الآن نحو 85 في المائة من إجمالي الطاقة المستهلكة، وتشير التقارير إلى أنه حقق ارتفاعا من 80 في المائة في 2014، بينما لا تزال الطاقة الشمسية تمثل 2.3 في المائة فقط من إجمالي الطاقة المستخدمة في الولايات المتحدة.
رغم كل هذا التفاؤل، فإن الطاقة البديلة من الشمس أو الرياح لم تزل غير قادرة على تحقيق إنتاج اقتصادي كبير قادر على منافسة النفط أو زحزحته عن عرشه، والسبب في عدم القدرة على إنتاج كبير تأتي من مشكلات لم تحل بعد، عديد منها ليست له علاقة بالتكلفة والاستثمار، ومن بين تلك المشكلات أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ليست مثالية لكل موقع، فإنتاج الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء يتطلب مساحات كبيرة قد لا تكون متوافرة في عديد من الدول، حتى مع الجهود الكبيرة لتحسين قدرات اللوحات الشمسية ومقاومتها، لكنها تظل ذات عمر افتراضي محدود، وتتحول إلى نفايات إلكترونية، ورغم الجهود الكبيرة الواضحة لتطوير تكنولوجيا تخزين الطاقة، فإن مشكلة مزعجة لا تزال تتعلق بعديد من مصادر الطاقة المتجددة، فالشمس تغرب وقد لا تهب الرياح عندما تكون في أمس الحاجة إليها، هناك وعود بتوليد الطاقة ليلا باستخدام الحرارة المنبعثة من الأرض، لكن المسألة تتطلب وقتا. ورغم ذلك اتجه كثير من الدول في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تلبية لحاجتها الضرورية خاصة في المنازل، وقد طرح البنك الدولي كثيرا من مشاريع إنتاج الخدمات الكهربائية بالطاقة الشمسية خاصة في القارة الإفريقية، التي تعاني مشكلات نقص توليد الكهرباء.
إن هذه المشكلات متركزة في إنتاج الطاقة الكهربائية، لكن عندما يتم الولوج أكثر في استخدامات الطاقة في المنازل والسيارات والتنقل عبر الأجواء والمحيطات، فإن مسألة تخزين الطاقة في بطاريات قابلة لإعادة الشحن، وصغيرة نسبيا وذات تكلفة منخفضة وقابلة للاستبدال بطريقة لا تضر البيئة، كل ذلك يشكل تحديات ضخمة أمام هذه المشروع العالمي الواعد، هنا نعيد التذكير بشأن المقترحات التي قدمتها السعودية في أكثر من محفل، بأن لكل دولة ظروفها الخاصة، ولذلك يجب تنوع الحلول لمواجهة المشكلة الأساسية، ارتفاع حرارة الأرض، من خلال تكنولوجيا الاقتصاد الدائري للكربون، وهي تكنولوجيا أثبتت جدواها الاقتصادية، وتسهم في إنتاج الأمونيا الزرقاء التي تستخدم مولدا للطاقة النظيفة، كما أن دور الهيدروجين يتنامى في تحقيق هدف الطاقة الخضراء على المدى الطويل. هذه كلها حلول مناسبة على الواقع الصحيح للاتجاه نحو إنتاج الطاقة النظيفة، لتتماشى مع متطلبات الحياة والتنمية الاقتصادية.

إنشرها