تقارير و تحليلات

عطش الأسواق للرقائق قد يستمر فترة طويلة .. الشركات تطلق العنان لطاقتها الإنتاجية

عطش الأسواق للرقائق قد يستمر فترة طويلة .. الشركات تطلق العنان لطاقتها الإنتاجية

عطش الأسواق للرقائق قد يستمر فترة طويلة .. الشركات تطلق العنان لطاقتها الإنتاجية

إذا قلبت صفحات الأرشيف لأعداد سابقة من صحيفة «الاقتصادية» وتحديدا العام الماضي فستجد عددا وفيرا من التقارير تتناول صناعة الرقائق الإلكترونية، وستجد أن تلك التقارير تتحدث عن زيادة كبيرة في الطلب العالمي على تلك الرقائق لا يستطيع العرض مواكبته.
خلال عامين من جائحة كورونا خصوصا في 2021، ارتفع الطلب على الرقائق الإلكترونية، والسبب في ذلك يعود إلى الإقبال الشديد على شراء الهواتف الذكية والسيارات وأجهزة الألعاب الإلكترونية.
كما أسهمت اضطرابات سلسلة التوريد والتأخير في عمليات الشحن في حدوث نقص عالمي في سوق الرقائق الإلكترونية.
في حينها توقع كثير من الخبراء وصانعي أشباه الموصلات أن الطلب سيفوق العرض فترة طويلة، وكان هذا التوقع كفيلا بأن تطلق الصناعة طاقتها الإنتاجية لأقصى حد على أمل استغلال الفرصة وتحقيق أكبر قدر من الأرباح.
اليوم يبدو المشهد مختلفا تماما، فالمستثمرون في تلك الصناعة يعانون التوتر، حيث تسود التوقعات بتباطؤ صناعة الرقائق الإلكترونية بسبب تراجع الطلب وتراكم المخزون لدى بعض أكبر صانعي الرقائق الإلكترونية في العالم.
تتحمل الشركات المنتجة جزءا كبيرا من المشكلة، إذ أفرطت في الإنتاج بسعيها لاستغلال الفرصة وتحقيق أكبر قدر من الأرباح، توقعا منها بأن "عطش" الأسواق للرقائق سيستمر فترة طويلة.
في الوقت ذاته بدأت مبيعات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية في التباطؤ، فارتفاع أسعار الغذاء والطاقة هذا العام قلص إنفاق المستهلكين في عديد من الاقتصادات الرائدة حول العالم، وفي الوقت ذاته أثرت عمليات الإغلاق المرتبطة بوباء كورونا في الصين في طلب المستهلكين، أضف إلى ذلك تزايد أسعار الفائدة التي تعيق النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة ودول أخرى.
في الأشهر الأخيرة انخفضت أسعار الرقائق الإلكترونية المستخدمة في عديد من الأدوات الإلكترونية، بينما لا يزال الطب مرتفعا على الرقائق المستخدمة في صناعة السيارات. انخفاض الأسعار انعكس سلبا على قيمة أسهم الشركات المنتجة، فتراجعت أسهم شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية تي إس إم سي، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم 22 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية بعد أن سجلت مستوى قياسيا في يناير الماضي.
رغم ذلك فإن الشركة رفعت توقعاتها لإيرادات العام بأكمله، مؤكدة أنها لا تزال تشهد طلبا قويا على الرقائق الإلكترونية خصوصا المستخدمة في منتجات مثل أجهزة الكمبيوتر عالية الأداء.
الأمر لم يختلف في شركة سامسونج إلكترونيك في كوريا الجنوبية، أحد القادة الرئيسين في الصناعة، وكذلك شركة SK Hynix Inc في كوريا الجنوبية أيضا. أما شركة إنتل الأمريكية فقد بلغت خسائرها 22 في المائة في الأشهر الست الأخيرة، وتراجعت إيرادات الشهر الماضي في شركة ميكرون للتكنولوجيا المحدودة 23 في المائة.
من جهته، يقول لـ «الاقتصادية» كريس ناردلي المحلل المالي في بورصة لندن "لطالما اتبعت صناعة الرقائق دورة الازدهار والكساد، حيث تحدث فترات ركود كل ثلاثة أو أربعة أعوام. وكانت المصانع على مستوى العالم تعمل بالقرب من كامل طاقاتها الإنتاجية في الربع الأول من العام الجاري، ونمت مبيعات الرقائق على مستوى العالم 12 في المائة على أساس سنوي في أبريل الماضي".
ويضيف "فعندما يؤدي الطلب القوي لارتفاع الأسعار، يزيد المصنعون قدرتهم الإنتاجية للاستفادة من الأسعار المرتفعة وإنتاج مزيد من الرقائق، وفي النهاية يؤدي ذلك لحدوث تخمة في المعروض، ثم تنخفض الأسعار ومن ثم تتراجع الإيرادات ويتم تخفيض الإنتاج لتتكرر الدورة. من المتوقع أن تستمر مخزونات الرقائق في الزيادة حتى نهاية العام قبل عودة الأوضاع إلى طبيعتها".
إضافة إلى فكرة الدورة الاقتصادية وتأثيرها في صناعة الرقائق، فإن ارتفاع أسعار الفائدة دفع المستثمرين إلى سحب أموالهم من أسهم النمو، وهي فئة من الأسهم تقع فيها أسهم شركات صناعة الرقائق الإلكترونية، ورغم أن بعض أسهم شركات أشباه الموصلات انتعشت عن أدنى مستوى وصلت إليه أخيرا، إلا أن الطلب لايزال ضعيفا وقد تتعرض أرباح الشركات المصنعة للتراجع.
مع هذا ستلعب شركات أشباه الموصلات دورا رئيسا في تطوير منتجات التكنولوجيا الجديدة، وأيا كانت أوضاع الأسواق فإن عديدا من المستثمرين ينظرون إليها باعتبارها استثمارا رئيسا، خاصة أن أغلب التوقعات تشير إلى أن معدل النمو السنوي المركب في الصناعة سيراوح بين 4 و5 في المائة سنويا حتى عام 2027، ما يوجد زيادة متوقعة بنحو 315 مليون دولار.
تعد شركة إنتل التي مقرها وادي السيلكون الشهير، ويعمل بها أكثر من 121 ألف موظف في 46 دولة حول العالم، رمزا تاريخيا في صناعة أشباه الموصلات، إذ حققت عام 2021 ما يزيد قليلا على 79 مليار دولار، وكانت «إنتل» قد أسست عام 1968 وطورت سلسلة x86 من المعالجات الدقيقة التي توجد غالبا في أجهزة الكمبيوتر، وقد قامت الشركة منذ عام 2009 بأكثر من 31 عملية استحواذ في جميع أنحاء العالم، لكن الشركة التي تعد في نظر كثيرين هي وصناعة الرقائق الإلكترونية صنوان لا ينفصلان، تستعيد الآن من وجهة نظر إس.إم. فيتش مهندس الإلكترونيات مكانتها التي كانت في طريقها إلى أن تذهب أدراج الرياح.
ويؤكد لـ «الاقتصادية» أن العقد الماضي كان بالنسبة لإنتل سلسلة من الرهانات غير الموفقة، حيث بلغت الذروة في الصيف الكارثي عام 2020 حيث كان كل شيء يسير في طريق خاطئ، والآن تمكنت من طرح رقائق "الدر ليك" بعد أعوام من التأخير، ووضعت خارطة طريق طموحة للغاية لمحاولة استعادة تفوق وادي السليكون بحلول عام 2025، مع العودة للإيقاع السريع للتقدم التكنولوجي الذي كانت الشركة معروفه به، كما أعلنت خططا بمليارات الدولارات للاستثمار لتوسيع إنتاجها من أشباه الموصلات.
لكن هذا الموقف الإيجابي من شركة إنتل لا ينفي أنها لم تعد تصنع أشباه الموصلات الأكثر تقدما في العالم، بعد أن تنازلت فترة طويلة عن هذا اللقب لمصلحة شركة تي إس إم سي التايوانية أو سامسونج الكورية الجنوبية، إذ يستخدم منافسوها تقنيات تصنيع أكثر تقدما وقد بدأت إنتل للتو في تبنيها، كما أن منافسيها يقومون بتصنيع رقائق إلكترونية بها ترانزستورات أكثر من منتجات إنتل الأكثر تقدما.
مع هذا يرى بعض الخبراء أن هناك طموحات متجددة لدى بات جيلسنجر الرئيس التنفيذي الجديد للشركة الذي تولى زمام الأمور أوائل العام الماضي قد تساعد على اللحاق بالركب، والاستمرار في المنافسة، حتى إن كانت الشركة غير قادرة على مضاهاة الخطط الاستثمارية لشركة تي إس إم سي التايوانية التي تقدر بـ 100 مليار دولار. أسست شركة سامسونج للإلكترونيات في كوريا الجنوبية بعد عام واحد من شركة إنتل الأمريكية وتحديدا عام 1969، والآن هي واحدة من أكبر منتجي أشباه الموصلات في العالم، ويبلغ عدد موظفيها نحو 278 ألف شخص في 74 دولة.
غالبا ما تستخدم أشباه الموصلات من سامسونج في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية لا سيما في منتجات الشركة، لكن الشركة تتميز بتنويع إنتاجها وعدم حصره في أشباه الموصلات، فهي تصنع بطاريات ليثيوم أيون وأجهزة استشعار الصور ووحدات وشاشات الكمبيوتر، وحاليا هي أكبر شركة مصنعة للهواتف المحمولة والذكية.
تبرز شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات التي تعرف اختصارا باسم تي إس إم سي باعتبارها أكبر مصنع لأشباه الموصلات في العالم، وتعد واحدة من أكبر الشركات في تايوان والعالم بإجمالي أصول يقرب من 90 مليار دولار، ورغم حداثتها النسبية مقارنة بشركة إنتل أو سامسونج فقد نمت بسرعة منذ عام 1994، بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 17.4 في المائة في الإيرادات، وتوظف اليوم نحو 56 ألف شخص وتنتج أكثر من عشرة ملايين رقاقة من أشباه الموصلات سنويا.
وتقول لـ «الاقتصادية» الدكتورة ويندي ريف أستاذة الاقتصاد الآسيوي في لندن "شركة تي إس إم سي أحد الأعمدة الرئيسة في الاقتصاد التايواني، وقد أعلنت أنها تتوقع نمو الإيرادات بنحو 30 في المائة هذا العام، ولهذا ستنفق أكثر من 40 مليار دولار العام المقبل لتوسيع طاقتها الإنتاجية".
وقد ساعدت شركة تي إس إم سي على أن تهيمن تايوان على سوق تصنيع أشباه الموصلات، إذ بلغت حصة الشركة التايوانية من الصناعة نحو 54 في المائة، ويتوقع أن ترتفع تلك الحصة إلى 56 في المائة، بينما تبلغ حصة صانعي الرقائق التايوانيين جميعا نحو 66 في المائة.
من جهته، يؤكد لـ «الاقتصادية» المهندس ميتشل ماك الخبير في مجال الأنظمة الإلكترونية "ستظل شركة تي إس إم سي في المقدمة، لكن يلاحظ أن شركة سامسونج وبعد تخلفها عن شركة إنتل الأمريكية لبضعة أعوام سجلت أخيرا إيرادات أعلى من منافستها الأمريكية لأول مرة منذ عام 2018، والآن تمتلك 12.3 في المائة من إيرادات السوق أما حصتها من السوق فتصل إلى نحو 17 في المائة مقارنة بشركة إنتل التي تمتلك 12.2 في المائة من إجمالي إيرادات السوق".
ويضيف "لكن سامسونج تتحرك بطريقة مثيرة للانتباه إذ تغلبت على منافستها التايوانية أخيرا في إنتاج رقائق 3 نانومتر وتعد تلك أكثر تقنيات الرقائق تقدما وكفاءة في استهلاك الطاقة تم اكتشافها حتى الآن، وتلك الرقائق أصغر حجما وأكثر قوة من أشباه الموصلات 5 نانومتر المستخدمة حاليا، وتستعد شركة تي إس إم سي لإنتاجها هذا العام".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات