FINANCIAL TIMES

سوق العقارات التجارية تواجه ضربة ثلاثية

سوق العقارات التجارية تواجه ضربة ثلاثية

كبر خريطة "مكان تواجدنا" على موقع شركة أوتوماتيك الإلكتروني، وستبحث بلا طائل عن "مقرهم الرئيس". تعمل شركة التكنولوجيا الكبيرة، غير البارزة، التي تقف وراء برنامج وورد بريس ومجموعة أخرى من البرامج مفتوحة المصدر، من غانا إلى اليونان، ومن سان دييجو إلى إشبيلية. لكن موظفيها البالغ عددهم 2031، في 96 دولة، يعملون جميعا عن بعد، وهذا ما كانوا يفعلونه على الدوام.
أعادت كثير من الشركات، منذ بداية جائحة كوفيد - 19، التفكير في استخدامها للمكاتب. يتبنى كثيرون الآن "العمل الهجين"، حيث يقسم الموظفون حياتهم العملية بين المنزل والمكتب، وإن لم يكرس عدد قليل منهم جهودهم ويصبحوا ما تسميه شركة أوتوماتيك "شركة موزعة" بالكامل.
من المستحيل التنبؤ بالآثار الدائمة لكوفيد في أنماط العمل، لكن قلة من الرؤساء قد يجادلون في أن ذلك سيعني وقتا أقل في مباني المقر الرئيس بالنسبة إلى معظم العاملين في مكاتب الشركة الكبرى.
لسوء الحظ، بالنسبة إلى الذين يمتلكون عقارات مكتبية، فإن هذا التراجع الحتمي على ما يبدو في الطلب من المقرر أن يتزامن مع تراجع يلوح في الأفق في الدورة الدائمة للعقارات التجارية، التي يمكن أن تكون أكثر حدة حتى من الانهيار الزلزالي في 2007 - 2008.
عندما بدأت الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاما، كانت فقاعة الأصول العقارية واحدة من أكبر الفقاعات وأسرعها في الانفجار. تراجعت قيم رأس المال في سوق المكاتب في لندن، وهو قطاع عقاري عالمي بارز، 25 في المائة.
لطالما اشتهرت أسواق العقارات بالتقلبات الدورية، لكن الانتعاش في الأعوام الأخيرة كان دراماتيكيا مثل ذلك الانهيار، وذلك بسبب التمويل الرخيص المستمر والبحث المستميت عن عوائد الاستثمار. كان كلا العاملين نتيجة لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية من البنك المركزي، التي استخدمت أولا لتعزيز الانتعاش بعد 2008، ثم لتفادي التراجع الكارثي عندما انتشر كوفيد بضراوة في العالم.
لكن مع مضي الوقت، كل انتكاسة في أسواق العقارات تتبعها طفرة. ومع وجود الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي جميعا الآن في وضع تشديد، يقر وكلاء العقارات بأن الأوقات الجيدة قد ولت. إنه مجرد سؤال الآن عن مدى سوء الأمر. تحدثت شركة سي بي آر إي الشهر الماضي عن "تباطؤ ملحوظ في كل مكان" بسبب سرعة ارتفاع أسعار الفائدة، التي "فاجأتنا جميعا".
هناك أيضا قوة ثالثة، حميدة ظاهريا. أدت الجهود التي تبذلها الحكومات وصناعة الاستثمار إلى تعزيز الاعتماد الأخضر للمكاتب الكبيرة إلى خفض البصمة الكربونية لأفضل المباني الجديدة بشكل كبير. لكن بالنسبة إلى المستثمرين، هناك أثر جانبي غير مرحب به: مساحات شاسعة من المكاتب الحالية في العالم لا ترقى إلى المعايير الخضراء الجديدة بفضل الطاقة غير الصديقة للبيئة، والتدفئة والإضاءة الضعيفتين، والعزل السيئ، وتوفير ضعيف لوسائل التنقل الخضراء. يتوقع خبراء أن تفقد هذه الفئة من العقارات أكبر قدر من القيمة في فترة التراجع الاقتصادي.
لأي مدى ستكون الأمور سيئة؟ لا يتوقع عموما أن تقترب أسعار الفائدة من الارتفاعات التاريخية عندما كان سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، والذي يحدد الحد الأقصى للمقترضين الأمريكيين، في نطاق 10 - 20 في المائة. في المملكة المتحدة، حتى الاقتصاديون المتطرفون يتوقعون ارتفاع 7 في المائة فقط.
لكن المتفائلين بشأن مستقبل المكاتب ربما يتشبثون بتصورات وردية غير واقعية. يشيرون، على وجه الخصوص، إلى التأثير المحدود في عقود إيجار المكاتب منذ تفشي كوفيد قبل عامين ونصف.
تعطي صورة الطلب هذه أملا كاذبا: فعادة ما تكون عقود الإيجار طويلة الأجل دون شروط فسخ سهلة، ما يعني أن عدم التجديد يتحول تدريجيا الآن فقط إلى شيء أكثر إثارة للقلق. وجدت دراسة حديثة لشبكة "إس إس آر إن" أن ثلاثة أرباع عقود الإيجار في نيويورك، مثلا، لم يتم تجديدها في العامين ونصف العام الماضيين.
تشير التحليلات الأخيرة إلى أنه بفضل ارتفاع درجة الحرارة خلال العقد الماضي والضغوط التي نشعر بها الآن، فإن التوقعات لسوق العقارات المكتبية هي في الواقع قاتمة للغاية.
خلصت ورقة" إس إس آر إن" إلى أن قيمة عقارات المكاتب الأمريكية يمكن أن تنخفض على المدى الطويل 28 في المائة، أو نحو 500 مليار دولار. في أوروبا، حذر محللو بنك أوف أمريكا أخيرا من احتمال حدوث انخفاض بنسبة 12 في المائة في قيمة المكاتب على مدى 18 شهرا. كما أشارت مجموعات العقارات الكبرى، بما في ذلك بروكفيلد وبي إن بي باريبا، إلى مخاوفها بشأن عمليات بيع حادة (على الأرجح مع التركيز على الصفقات المحتملة).
هذه الدورة، مثل أي دورة، ستتحول بالطبع. تشير الأدلة غير الرسمية إلى أنه إضافة إلى المباني التي تتبع المعايير الخضراء، فإن تلك الموجودة في مراكز المدن، لا مراكز الأعمال، قد تكون أفضل حالا، حيث يدرك أصحاب العمل رغبة القوى العاملة في التواصل البشري في بيئة نابضة بالحياة. حتى القوى العاملة "الموزعة" في شركة أوتوماتيك تلتقي شخصيا مرة واحدة في العام - وإن لم يكن اللقاء في مكتب.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES