Author

هل تسهم الأخلاق في متانة المنشأة؟

|
ما من شك أن متانة أي منشأة من المنشآت، مهما كان النشاط الذي تمارسه تعتمد على عناصر عدة، وكلما توافرت العناصر بكاملها، زادت فرصة تحقق المتانة، أما في حال عدم توافر عنصر، أو بعض العناصر فستكون النتيجة خللا واضحا في وضع المنشأة، وعدم تماسكها، وقيامها بمهماتها، ومن ثم الفشل في تحقيق أهدافها، لتكون النتيجة كارثية على المنشأة، لافتقاد الناس الثقة بها، ومن ثم انصرافهم عنها، والبحث عن بديل يقدم المنتجات نفسها، وبجودة عالية.
منظرو الإدارة وفلاسفتها يختلفون في شأن العناصر التي تحيا، وتنمو، وتستمر في النماء بها المنشأة، وعلى هذا الأساس تعددت نظريات ومدارس الإدارة، كالمدرسة الإنسانية، والسلوكية، والبيروقراطية، ومدرسة النظم وغيرها من المدارس. وسأقتصر على عرض توجهين منها، فمن المنظرين من يعتقد أن نجاح المنشأة يعتمد على توافر الأنظمة الدقيقة، والتنفيذ الصارم لها، بحيث يلتزم الجميع حرفيا بها، إلا أن أصحاب هذا الرأي يغفلون المعاناة في فهم الأنظمة، إما لغموضها، وإما لاستعصاء فهمها على العاملين في المنشأة، أو لتعدد المفاهيم، والمعاني لمواد النظام، بحيث تتعدد المفاهيم بتعدد الأفراد الذين يتعاملون مع هذه الأنظمة، ولذا تلجأ بعض المنشآت إلى إصدار ما يعرف بالمذكرات التفسيرية، بهدف شرح وتبسيط اللوائح، ومحاولة توحيد فهم العاملين منعا للتشتت، ومن ثم اختلاف التعامل مع مواد الأنظمة.
يغفل أنصار هذا الاتجاه المعاناة والضيق اللذين يمر بهما العاملون في هكذا وضع من الصرامة، ذلك أن النفس البشرية بشكل عام تعشق المرونة، وتنبذ التضييق والتشدد، ففي وضع إداري صبغته الصرامة يشعر الناس بالتهميش، وقلة التقدير، لما تحظى به اللوائح من التزام يصل حد التقديس على حساب احترام الناس، وتقدير ما لديهم من أفكار إبداعية تتجاوز النص الحرفي لمواد النظام لتصل روح النظام، والهدف الذي وجد من أجله، مع عدم الإخلال بالأهداف.
الفريق الثاني يرى أهمية، بل ضرورة غرس القيم، والأخلاق في العاملين، لأن الأخلاق تمثل الجذر الأساس في بناء الشخصية وتماسكها، ومتى ما تحقق هذا الهدف تحقق تماسك المنشأة ومتانتها في نظرهم، فالمنشأة في العاملين فيها، وما يمتلكونه من أخلاق تسمو بهم عن صغائر الأمور، فاحترام العاملين لبعضهم، وليونتهم مع بعضهم، والتعاون بينهم، وتجنب الصراع، والتنافس غير الشريف، والمكايدة، والحسد كلها أخلاق تسهم بشكل واضح في سلامة المنشأة وقدرتها على تحقيق الأهداف المرسومة لها. القراءة المتأنية لتاريخ بعض المنشآت الفاشلة تكشف أن اختلال المنظومة الأخلاقية، أو انعدامها كفساد الضمائر، والمحسوبيات، والغش، والكذب وافتقاد الأمانة، والنميمة، والدسائس كلها بذور تهدم المنشأة من الأساس، وكم من إدارة، أو شركة ذاع صيتها واشتهرت في مجتمعها بالفساد وضعف الإنتاجية، بسبب تردي وسوء أخلاق منتسبيها.
قيمة الأخلاق في المنشأة يفترض أن تكون امتدادا لمنظومة القيم المجتمعية تتأثر بالجيد منها، وتؤثر في رديئها، وتسعى إلى تغييرها، لذا يؤكد الدين، والدساتير، والأنظمة، والطروحات الفلسفية، والشعراء، ضرورة توافرها في العاملين في أي مجال.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقول الشاعر الآخر:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا
كما أكد ديننا الحنيف قيمة، وأهمية الأخلاق كقوله تعالى «إن خير من استأجرت القوي الأمين»، وقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». عليه، يمكن القول إن تجسد الأخلاق في النفوس، مع الأنظمة المرنة، يؤديان إلى منشأة متينة تسهم في متانة وقوة مجتمعها.
إنشرها