Author

المراقبة ووضع الاحتمالات

|
تغيير وتطوير السياسات الزراعية في المملكة بما يتواءم مع احتياجاتنا وطبيعتنا وكمية المياه لدينا كان من أهم مقررات "رؤية 2030"، حيث أصبح القطاع الزراعي أكثر تنظيما، وأكثر فاعلية في المساهمة في الناتج الإجمالي المحلي.
نحن لسنا من الدول المعرضة للخطر كثيرا نتيجة التطورات الجيوسياسية، أولا لأننا لسنا من كبار المستوردين للقمح من البلدين المتحاربين، وثانيا لأن سياسات الأمن الغذائي والخزن الاستراتيجي لدينا من الأفضل على مستوى العالم، حيث تحافظ الحكومة وتغذي المخزون من الحبوب الأساسية ليبقى يغطي فترة زمنية طويلة وكافية.
اليوم لدينا مصادر كثيرة ومتنوعة نستورد منها بعض المحاصيل، ونستثمر فيها للحصول على محاصيل أخرى، وسنظل في مأمن بإذن الله ما لم تطرأ أحداث وظروف جديدة في العالم.
ربما يمكن التفكير في التغيير المؤقت لبعض السياسات، تحسبا لهذا الغليان حول العالم، فمثلا يمكن زيادة زراعة القمح محليا وفق اشتراطات ومعايير محددة بحيث لا نعود إلى ما كنا عليه من هدر، لكن بحيث يمكننا مجابهة أي مخاطر محتملة تؤثر في مناطق أخرى من العالم، أو في سلاسل الإمداد، فأحيانا يكون لديك المال لتشتري، والبائع الموافق على تزويدك بما تحتاج لكن لا تتوافر السبل اللوجستية لإيصال ما تحتاج في الوقت الذي تريد.
منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قالتا أخيرا إن الحرب في أوكرانيا ستستمر في رفع أسعار القمح العالمية في موسم 2022 - 2023، ما يعرض ملايين الأشخاص لمواجهة خطر سوء التغذية.
وتشير توقعات المنظمتين إلى أن أسعار القمح في 2022 ـ 2023 يمكن أن تزيد 19 في المائة على مستويات ما قبل الحرب إذا فقدت أوكرانيا قدرتها التصديرية بالكامل، بل ستزيد 34 في المائة إذا أضيف إلى ذلك خفض صادرات روسيا بمقدار النصف.
ما نحن فيه من غلاء وتعثر نسبي في سلاسل الإمداد ليس نتيجة الحرب الحالية، إنه امتداد لما حدث في جائحة كورونا، بل إن بعض المحللين يرى أنه امتداد لما بدأ في الحدوث منذ 2008 حينما خرجت بعض كبرى الدول من التزاماتها التجارية والاقتصادية الأممية.
أثق أن صانعي السياسة الزراعية والغذائية يراقبون من كثب كل التحولات، ويضعون كل الاحتمالات، ولعلهم يفكرون منذ بدء الأزمة الأخيرة ومن قبلها الجائحة أبعد مما نرى، وسيطبقون بمرونة عالية أي تغييرات نحتاج إليها لحين اتضاح الأمور في هذا العالم الذي يموج بالمشكلات، ويتقوقع كثير من دوله ومجتمعاته حول أنفسهم أكثر وأكثر.
إنشرها