Author

قصة الحج .. كما يرويها الآباء

|
حينما جلست لكتابة مقالي لهذا الأسبوع لاحت أمامي موضوعات عدة، لكنني وجدت أنه لا صوت يعلو على صوت الحج. الذي نحن في آخر أيامه. وقبل أن أتحدث عن الحج الآن وما تحقق من تنظيم وسهولة ويسر بعد شبه توقف أثناء جائحة كورونا يجدر بنا تذكر كيف كان الحج في عصر الآباء ولا أقول الأجداد، لأن الماضي البعيد يثير الحديث عنه ذكريات أليمة من عدم الأمن في طرق الوصول إلى مكة المكرمة، حتى جاء العهد السعودي الذي بسط الأمن في الجزيرة العربية، وحرص حكامه منذ الملك الموحد عبدالعزيز، على تأمين طرق الحج، ولم تعد هناك إلا مشقة معرفة الطرق وموارد المياه ومتاعب السفر المعتادة. وهنا يقول الآباء - رحم الله من توفى منهم ومتع من يعيش معنا بالصحة والقوة - ويروون قصة الحج قديما، فيقول بعضهم مع التأكيد على حلاوتها رغم المشقة التي لا بد منها، كنا نستعد للحج في وقت مبكر، وقبل الحج بشهرين تنطلق القوافل من الإبل التي نحمل المتاع على ظهورها، أما نحن فنسير بجانبها لكيلا نحملها مزيدا، وكذلك لنتجاذب أطراف الحديث ونحن نسير على أقدامنا ليسمع بعضنا بعضا بوضوح، ونحرص أن نعرف موارد المياه في الطريق، لنتوقف عند كل مورد لكي نسقي الإبل أولا، ثم نملأ ما معنا من القرب التي ندعو الله أن تكفي للشرب حتى نصل المورد الآخر. وعند الوصول إلى مكة، نحرص على إيجاد مكان للجمال المتعبة، ونؤمن لها ما يكفي من الماء والمأكل، وتطول إقامتنا في مكة المكرمة حتى تصل أحيانا إلى ثلاثة أشهر، ونقضي معظم وقتنا قبل وبعد انتهاء موسم الحج في الحرم المكي الشريف نتابع الدروس والمحاضرات التي يلقيها مشايخ من مختلف الدول العربية والإسلامية. ثم جاءت السيارات فأصبحت الرحلة تستغرق أقل، لكنها في حدود شهر، وبقيت أهم متاعب الرحلة وهي الضياع في الطرق، حيث لم تكن معظمها معبدة. وعند العودة يخرج أقارب الحجاج وأصدقاؤهم وأهل بلدتهم لاستقبالهم على مداخل المدن والمحافظات للاطمئنان عليهم ولإحاطتهم بأحوال أهاليهم قبل الوصول، حتى لا يصدم بعضهم بمرض أو وفاة أي من أقاربهم أو جيرانهم.
وأخيرا، الحمد لله كثيرا أن تغيرت هذه الصورة حتى أصبحت رحلة الحج ممتعة للغاية رغم المشقة المعقولة، فالطرق نفذت على أحدث أنظمة الطرق في العالم، والعلامات واللوحات واضحة. ورحلات الطيران متوافرة وفي ساعات معدودة يكون الحاج قد وصل سواء من الداخل أو الخارج، كما توافرت المساكن من مبان وخيام مطورة وحملات حج منظمة، ثم تلك الإدارة الراقية لحشود الحجاج باستعمال أحدث التقنيات، حتى شهد العالم أن السعودية من الدول المتقدمة في إدارة الحشود. وجميع هذه الجهود التي حولت موسم الحج إلى قصة نجاح مشرفة لبلادنا تمت بإشراف مباشر ومتابعة يومية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد، وبعمل منظم من أجهزة الدولة، كل في اختصاصه، مع دخول عنصر جديد، وهو دور المتطوعين والمتطوعات من المواطنين الأوفياء. تقبل الله من الحجاج حجهم وأعادهم إلى أهلهم سالمين غانمين، وجزى الله خيرا كل من أسهم في خدمتهم.
إنشرها