تقارير و تحليلات

أيام عصيبة أمام قطاع الطيران .. إفلاسات محتملة للشركات مع فوضى الاضطرابات

أيام عصيبة أمام قطاع الطيران .. إفلاسات محتملة للشركات مع فوضى الاضطرابات

أيام عصيبة أمام قطاع الطيران .. إفلاسات محتملة للشركات مع فوضى الاضطرابات

بشكل رسمي واضح لا لبس فيه، طلب عدد من الحكومات الأوروبية من شركات الطيران إلغاء الرحلات الجوية التي لا يمكنهم تقديمها هذا الصيف، في محاولة لتفادي وقوع مزيد من الفوضى وتكدس المسافرين في المطارات، كما طلبت هيئات الطيران من الشركات العاملة في القطاع أن تكون لديها جداول رحلات صيفية قابلة للتنفيذ.
لم يأت هذا الطلب من فراغ، فقد تأثر عشرات الآلاف من الركاب سلبا بتأخير رحلاتهم أو إلغائها في اللحظات الأخيرة، وبعد وصولهم إلى المطار، والنتيجة تحول عدد من أكبر المطارات الأوروبية إلى ساحة للفوضى.
عديد من أكبر المطارات الأوروبية في موسم الصيف الحالي حيث يسافر الأوروبيون لقضاء العطلة الصيفية، كانت يكافح بقوة للتغلب على مشكلة نقص العاملين، وحاول المسؤولون فيها إعادة تعيين الموظفين بعد أن تم التخلي عن أعداد كبيرة منهم خلال فترة توقف السفر في عامي جائحة وباء كورنا.
لكن طبيعة الفحوص الأمنية الطويلة التي تصل إلى 16 أسبوعا للتحري عن خلفيات الموظفين الجدد، ومستوى الأجور الذي لا يبدو جذابا بالنسبة لكثيرين تجعل عملية التوظيف مليئة بالتعقيدات والمشكلات، كما تجعل عملية التكيف السريع مع توظيف مزيد من الأيدي العاملة أمرا صعبا.
الأزمة لم تكن حصرا على المطارات الأوروبية، إذ امتدت لتشمل المطارات الأسترالية والأمريكية والكندية، وتسبب نقص موظفي الأمن والجمارك والهجرة في طوابير طويلة من المسافرين.
وهنا يتوقع روجر لينك نائب المدير التنفيذي في اتحاد عمال المطارات البريطانية أن تستمر تلك الأزمة إلى شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وقال لـ "الاقتصادية" إن "الطلب المكبوت على السفر لن يتوقف، حتى بعد انتهاء موسم العطلات الصيفية، ولن يحدث تراجع في حركة الطيران كما جرت العادة بعد الصيف".
تكشف الأرقام مدى الارتباك الذي تشهده المطارات الأوروبية في الوقت الراهن، إذ أقلع 25 في المائة من الرحلات المجدولة متأخرة عن المواعيد المحددة لانطلاقها بنحو 34 دقيقة، وفي بعض المطارات كما هي الحال في هولندا تم تأجيل 36 في المائة من الرحلات الجوية، واضطرت الخطوط الجوية البريطانية إلى إلغاء 8000 رحلة في جدولها من شهر آذار (مارس) إلى تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بينما ألغت شركة إيزي جيت 40 رحلة يوميا تقريبا لبقية الشهر.
وحذرت وكالة الحركة الجوية الأوروبية من أن يتجاوز عدد الرحلات الجوية في الأشهر المقبلة طاقة مراكز التحكم، وأن الأوضاع ربما تكون سيئة للغاية في ميونيخ وفرنسا وأثينا، وأن معظم المطارات الأوروبية تعمل بالقرب من طاقتها القصوى، وسط دعوات من الوكالة للدول لمراجعة عملياتها أو الاستعداد لمواجهة مزيد من الاضطرابات.
الأرقام أيضا لم تكن في مصلحة الولايات المتحدة لكنها بلا شك كانت أفضل كثيرا من الوضع في أوروبا، إذ تم إلغاء نحو 3 في المائة من الرحلات المجدولة في شهر يونيو الماضي، وارتفع العدد الإجمالي للإلغاءات منذ بداية الموسم بنسبة 16 في المائة أي: ما يقدر بـ 13581 رحلة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وذكر لـ "الاقتصادية" جونسون تيلي مهندس الطيران في مطار جاتويك في لندن أن "الأوضاع في الولايات المتحدة أفضل من أوروبا، فقد بدأ معظم شركات الطيران الأمريكية بما فيها الشركات الكبرى التوظيف في منتصف عام 2021 تماشيا مع عودة السفر المحلي، ولهذا كانت أكثر استعدادا لمواجهة الطلب المتزايد على السفر في الصيف.
وأضاف "كما أن القيود المفروضة على وباء كورونا كانت في الولايات المتحدة أقل صرامة ومتفاوتة بين الولايات، ولهذا لم تنخفض أرقام الرحلات الجوية بشكل كبير مثل تلك الموجودة في الدول الأوروبية الكبرى".
واستدرك تيلي، أن سلسلة من المشكلات الفنية أسهمت في حدوث اضطرابات في جميع أنحاء أوروبا، إذ أغلقت سويسرا مجالها الجوي مؤقتا بعد خلل في تكنولوجيا المعلومات، وألغيت الرحلات الجوية لمطار لوتون في لندن الذي يعد بوابة القارة الأوروبية بسبب انقطاع التيار الكهربائي، أما في مطار براج فقد عمل المطار بقدرة منخفضة بعد عطل في نظام مراقبة الحركة الجوية.
لكن الجوانب الفنية الكامنة وراء تلك الأزمة لم تكن من وجهة نظر البعض السبب الوحيد، ففي ذروة جائحة كورونا، استغنت المطارات وشركات الطيران الأوروبية عن عمل ما يقرب من 191 ألف عامل طيران أوروبي، وكانت المملكة المتحدة من ضمن الدول التي تبنت النهج ذاته، ما دفع صادق خان عمدة لندن إلى التصريح بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو المسؤول عن الفوضى في المطارات البريطانية، ودعا الحكومة إلى تخفيف قواعد الهجرة حتى يتمكن عمال المطارات والخطوط الجوية في الاتحاد الأوروبي من العودة إلى المملكة المتحدة وتجنب ما أسماه "بؤس" السفر في الصيف.
وبالطبع فإن تلك الدعوات قوبلت بالرفض من حكومة بوريس جونسون، رئيس الوزراء المستقيل وصرح كبار المسؤولين فيها ردا على عمدة لندن بأن فتح الباب أمام العمال الأجانب لن يكون الحل لتخفيف الضغوط على قطاع الطيران، وألقوا بالمسؤولية على رؤساء الصناعة متهمين إياهم بالقيام بعمليات إلغاء مبالغ فيها للوظائف خلال فترة جائحة كورونا، وعدم توقع عودة كثير من الأشخاص إلى السفر الدولي عندما يتم تخفيف القيود.
وقال لـ "الاقتصادية" الأن جويس الاستشاري السابق لعدد من شركات الطيران الأوروبية معلقا على الوضع، إن "عامين من توقف عمليات السفر الداخلي أو الدولي جعل شركات الطيران تصاب بالصدأ، والآن تحاول إعادة التدفق مرة أخرى للمسارات الطبيعية، إذ يجب الأخذ في الاعتبار أن صناعة الطيران عالم بذاته، يضم قوة عاملة ضخمة، وتسهم بنسبة كبيرة في الاقتصاد العالمي، كما أن القطاع كان مهيأ لتحقيق نمو كبير رغم التحديات التي تواجهه، إلى أن أصيب بضربة صاعقة نتيجة وباء كورونا، ما أدى إلى انهيار كبير في القطاع".
وفي الحقيقة فإن البيانات المتاحة لدور قطاع الطيران الدولي وجميعها للفترة السابقة لتفشي وباء كورونا، تظهر قطاعا حيويا وإيجابيا للغاية فيما يتعلق بمساهمته في الاقتصاد العالمي، فعلى المستوى الدولي دعم القطاع أكثر من 64.5 مليون وظيفة على مستوى العالم، وكان مسؤولا عن 2.7 تريليون دولار من النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، وكان الأفق قبل جائحة كورونا منتعشا وإيجابيا، إذ كانت التوقعات أن تصل المساهمة الاقتصادية للقطاع إلى 5.7 تريليون دولار بحلول عام 2036 بينما سيعمل في القطاع نحو 97.8 مليون عامل.
لكن تلك التوقعات الإيجابية بشأن مستقبل قطاع الطيران باتت الآن محل تساؤل، إذ يبدو أن الضغوط التي تتعرض لها شركات طيران دولية وصلت إلى الحد الذي دفعها إلى التقدم بطلب لإعلان الإفلاس، ما وضع شكوكا حول قدرة الشركات الصغيرة على الصمود.
وأخيرا أصبحت شركة الخطوط الجوية الإسكندنافية "ساس" أحدث شركة طيران تتقدم بطلب في الولايات المتحدة لإعلان الإفلاس، وأشارت الشركة في طلبها بشأن الإفلاس إلى وجود مخاوف مادية لديها بشأن تأثير إضراب الطيارين الذي أعلن عنه أخيرا، وأنه سيكون له تأثير سلبي في السيولة ومركزها المالي.
ورغم أن الشركة دعت الطيارين للعودة إلى طاولة المفاوضات حتى يتمكن الطرفان من مواصلة الحديث والتوصل إلى اتفاق، فإن الطيار السابق أريك ستوت وأحد أعضاء الفريق الإداري في اتحاد الطيارين البريطانيين، يرى أن تقدم شركة ساس بطلب لإعلان الإفلاس ما هو ألا مقدمة ترجح أن تعلن شركات أخرى إفلاسها، خاصة شركات الطيران منخفضة التكلفة.
وأوضح ستوت لـ "الاقتصادية"، أن "حالات الإفلاس ليست غريبة على صناعة الطيران، وشركات طيران كبرى مثل أمريكان أيرلاينز ويونايتد ودلتا تقدمت في وقت من الأوقات بطلب إفلاس، لكن تم التغلب على ذلك عبر الاندماج مع شركات طيران أخرى، ففي الصناعات غير المربحة يتم السعي لإيجاد طريقة أفضل لممارسة الأنشطة التجارية، لكن هذا المبدأ لا يعمل بالضرورة في عالم الطيران".
وأشار إلى أن عديدا من شركات الطيران غير المربحة تستمر في العمل رغم أعوام من الخسائر، لأن عديدا من أصحاب المصالح لا يستطيعون السماح لها بالإغلاق، فإغلاق شركة طيران كبيرة لأنها غير مربحة، يعني خسارة آلاف الوظائف، وإزعاج آلاف المسافرين وخسائر بالملايين للدائنين، وأحيانا فقدان الكبرياء الوطني إذا كانت الشركة شركة نقل وطني، ولذلك غالبا ما توفر الحكومات شريان حياة مالي لها لضمان البقاء في السوق، ويكون على الشركة إعادة التسعير وخفض الأيدي العاملة، ما يضر أحيانا بالشركات الأخرى التي لا تخفض أسعارها".
وفي الواقع، فإن الطائرات تعد من المعدات باهظة الثمن للغاية، ويتعين على شركات الطيران الاستمرار في عقد إيجار مرتفع أو سداد أقساط قروض بغض النظر عن ظروف العمل، إضافة إلى حاجتها إلى قوة عمل كبيرة لإدارة عملياتها المعقدة، وباختصار غالبا ما تكون التكاليف الثابتة ضخمة نسبيا.
ومن الواضح الآن وبعد عامين من جائحة كورونا وتراجع السفر الجوي فإن عديدا من شركات الطيران خرجت من تلك المواجهة مع فيروس كورونا في حالة من الإرهاق المالي الشديد، وإذا تواصلت حالة الفوضى في المطارات الأوروبية، وأجبرت شركات الطيران على إلغاء آلاف من رحلاتها، فمن المؤكد أن أياما عصيبة بانتظار الشركات العاملة في القطاع وربما يكون الإفلاس مصير عديد منها في الشهور المقبلة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات