Author

كفاءة الدعم وانعكاساته على السوق

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

امتدادا للإجراءات الحكومية التي تسعى إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين بسبب مجموعة من المتغيرات والصعوبات الاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم، التي نتج عنها ارتفاع في الأسعار ووصول التضخم إلى نسب عالية في دول كثيرة حول العالم، وذلك لمجموعة من الأسباب التي كان لها أثر في شريحة من المواطنين، خصوصا الأشد حاجة من بعض متوسطي الدخل وأصحاب الدخل المحدود والمسجلين في الضمان الاجتماعي، وبناء على ما رفعه رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ـ حفظه الله ـ، في ضوء دراسة مجلس الشؤون الاقتصادية برئاسة ولي العهد، لتطورات الأوضاع الاقتصادية في العالم، وسبل حماية أبناء وبنات الوطن من الأسر المستحقة من التأثر بتداعياتها، صدر أمر ملكي كريم بالموافقة على تخصيص دعم مالي بمبلغ 20 مليار ريال لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار عالميا، منها 10.4 مليار ريال كتحويلات نقدية مباشرة لدعم مستفيدي الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية، على أن يخصص بقية المبلغ لزيادة المخزونات الاستراتيجية للمواد الأساسية والتأكد من توافرها. وتضمن ذلك أيضا إعادة فتح التسجيل ببرنامج حساب المواطن وفق الضوابط المعلنة مسبقا.
لا شك أن مبادرة حساب المواطن من المبادرات المميزة في المملكة اليوم التي أعادت تعريف الدعم الحكومي وكيف يجب أن يكون، وإلى أين يفترض أن يصل هذا الدعم، وكيف يمكن إدارة هذا الدعم بطريقة تعزز من كفاءته ومرونته وفقا للمتغيرات، وأن يكون هذا الدعم بطريقة متوازنة لتحقيق الاكتفاء للمواطن مع تشجيع المواطن على العمل والكسب في ظل الفرص الكبيرة التي يوفرها السوق اليوم، في ظل نمو اقتصادي مستمر ومستديم، بإذن الله، ووجود كفاءات من أبناء الوطن قادرة على التفاعل مع هذه المتغيرات والاستفادة منها.
بالنظر إلى هذه المبالغ المخصصة لدعم الفئات الأشد حاجة في المجتمع نجد أن هذا الدعم ستكون له انعكاساته على السوق، حيث إن العالم اليوم يتحدث عن الركود التضخمي stagflation or recession-inflation الذي يحصل معه ارتفاع في الأسعار مع تباطؤ في النمو، إضافة إلى احتمال كبير لزيادة معدل البطالة، وهذه بلا شك معادلة معقدة يخشى العالم من الوقوع فيها، وبما أن المملكة تعد من الدول التي يمكن أن تكون أقل تأثرا باعتبار حجم النمو المتوقع لها لهذا العام والعام المقبل، إلا أن المملكة جزء من هذا العالم، وبالتأكيد تتأثر بما يحصل فيه من متغيرات، وضخ هذه الأموال للفئة الأكثر حاجة سينعكس بصورة إيجابية على السوق ويزيد من نشاطها، إذ إن هذه الأموال في الأغلب ستنفق لتغطي تكلفة الفرق في الأسعار مقارنة بما اعتادت على دفعه الفئة الأقل حاجة في المجتمع، وبالتالي ستوفر لهم احتياجاتهم بالمستوى نفسه تقريبا قبل حدوث موجة ارتفاع الأسعار، وتبقى هذه الأموال نشطة في السوق لتعزز من فرص انخفاض مستويات البطالة وانتعاش سوق العمل، وتحسن من فرص نمو المشاريع والمبادرات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى استدامة نمو التجارة محليا، خصوصا في قطاع الأغذية والمواد الأساسية بما يزيد من جاذبية السوق للاستثمار الأجنبي باعتبار أن مجموعة من الأسواق ستتأثر بهذه الأزمة ورؤوس الأموال ستبحث عن الفرص هنا وهناك.
في هذه المرحلة لا شك أن على وزارة التجارة مسؤولية كبيرة لمتابعة الأسعار واتخاذ الإجراءات الرادعة لاستغلال هذه المبادرات التي تهدف إلى تخفيف الأعباء عن المواطن، وليس استغلال هذا الدعم، خصوصا السلع الأساسية والمواد الغذائية والتموينية.
ولذلك من المهم أن توضح الوزارة آلية مراقبة السلع ونوع المخالفات المحتملة والسلع الضرورية التي تنبغي مراقبتها والتأكد من سلامة الأسعار وعدم الاستغلال وما الإجراء الذي يمكن أن يتخذ، ودور المواطن في المساهمة في مراقبة الأسعار، والعمل على تطوير تطبيق بلاغ تجاري ليواكب هذه المتغيرات، مع اتخاذ الإجراءات التي تحمي التاجر في حال حدوث بلاغات غير صحيحة.
الخلاصة، إن المتابعة المستمرة والمراقبة لحالة الاقتصاد العالمي والمبادرة بمعالجة تلك الصعوبات من خلال بعض المبادرات الحكومية لدعم الفئة الأقل حاجة، لها دور كبير في تعزيز قدرة الأسر الأكثر حاجة على تجاوز هذه الأزمة، كما أن لها انعكاسات على السوق المحلية، باعتبار أن هذه الأموال ستتم إعادة ضخها في السوق على السلع الغذائية والأساسية، وهنا يأتي دور وزارة التجارة لمراقبة تحرك الأسعار، وتحديد نوع المخالفات وتوعية المجتمع للمساهمة في مراقبة المخالفات، والعمل على اتخاذ إجراء عادل تجاه المخالفين.

إنشرها