Author

تحديات تواجه «اشتر الآن وادفع لاحقا»

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد

ازدادت شعبية أسلوب "اشتر الآن وادفع لاحقا" في العامين الماضيين وظهر هناك عدد كبير من شركات التقنية المالية ممن وجد في هذه الآلية المريحة للدفع ضالتهم، بما في ذلك بعض الشركات المحلية والإقليمية. بل إن هذا الأسلوب جذب أنظار شركات أخرى كبيرة، مثل عملاقة المدفوعات الإلكترونية "باي بال" وشركة أبل التي أعلنت قرب إطلاق خدمة Apple Pay Later.
لكن شيئا ما بدأ يهدد الجدوى من الفكرة ومكانتها التشريعية وأخلاقيات خدمتها، ما أربك عددا من هذه الشركات وأدى إلى تدهور التقييمات العالية التي حظيت بها في الأعوام القليلة الماضية.
في وقت سابق من العام الماضي قامت مجموعة "جولدمان ساكس" المالية بشراء شركة جرين سكاي، المختصة بالخدمات المالية عبر الإنترنت، مقابل 2.24 مليار دولار، وذلك لتنبؤ البنك بمستقبل باهر لآليات الدفع لدى الشركة، ولا سيما أن دراسة لشركة ماكينزي للاستشارات أشارت إلى أنه من المتوقع سحب نحو عشرة مليارات دولار سنويا من المؤسسات المصرفية التقليدية لمصلحة الشركات الجديدة العاملة في مجال وسيلة الدفع الجديدة هذه.
الحماس الكبير تجاه طريقة الدفع الجديدة أدى بشركة بلوك، المعروفة بحلولها التقنية الخاصة بالدفع التي تستخدم عند نقاط البيع، إلى شراء شركة آفتر باي الأسترالية العام الماضي بمبلغ 39 مليار دولار، الذي كان في وقتها مبلغا ضخما جدا يعد من أكبر صفقات الاستحواذ في أستراليا. حاليا يتم تقييم شركة بلوك ذاتها في بورصة نيويورك بـ39 مليار دولار فقط! وهناك من يرى أن شركة بلوك دفعت على الأقل 23 مليار دولار أعلى من اللازم، لكن هذه طبيعة الأسواق عندما تكون هناك فورة في أسعار الأسهم وارتفاعات في سقوف التوقعات.
باختصار، فكرة الدفع لاحقا هي أن يتم السماح للمشتري بتأجيل الدفع من أربعة إلى ستة أسابيع، وذلك بالدفع الفوري لربع المبلغ أو ثلثه، ومن ثم تقسيط الباقي على دفعتين أو ثلاث دفعات متساوية، دون أن يكون هناك أي تكلفة تمويلية على المشتري. نجاح الفكرة ارتكز على وجود شرائح من المستهلكين، خصوصا من فئة الشباب، ممن لا يتعامل ببطاقات الائتمان، وبالتالي سيجد طريقة مريحة وسريعة لدفع المشتريات.
الحقيقة التي ربما لم تطف على السطح بشكل كاف هي أن بعض مستخدمي طريقة الدفع اللاحق لا يتمتعون بملاءة مالية تسمح لهم بالحصول على بطاقات الائتمان أو الاقتراض من المؤسسات المالية، وبالتالي جاءت هذه الوسيلة كمنقذ لهم، كونها تتيح الدفع على أقساط دون دفع أي فوائد. لكن شركات الدفع اللاحق لديها طرق ملتوية لتحقيق أرباح من هذه العمليات، بعضها لا غبار عليها مثل استقطاع ما يصل إلى 5 في المائة من قيمة المشتريات من المتاجر التي تستخدم حلول الدفع اللاحق، مقارنة بـ2 إلى 3 في المائة مقابل الدفع ببطاقات الائتمان، لكن بعض الطرق الأخرى أثارت امتعاض كثير من المراقبين والمشرعين.
المشكلة التي أثارت حفيظة المشرعين في عدة دول هي أن التكلفة على المستخدم ليست مجانية، كما يبدو ظاهريا، والسبب أن هناك غرامات يدفعها المشتري عندما يخفق في سداد أي من الدفعات المجدولة. وهذه الغرامات تراوح بين ثمانية دولارات و50 دولارا مقابل كل عملية شراء، فقد أشار بعض النقاد إلى أن المشتري يجد نفسه محاطا بمواعيد دفعات عديدة لا يستطيع السيطرة عليها، وبالتالي يقع في غرامات مالية تجعل في نهاية الأمر عملية الشراء بالدفع اللاحق أغلى من أي طريقة أخرى.
الخلل الذي بحاجة إلى تشريعات وتنظيمات خاصة لمنع فشل هذه الآلية، التي يبدو أنها تتمتع بجاذبية عالية، ومن الممكن استمرارها وفقا لنموذجها التجاري الطبيعي، دون اللجوء إلى ألاعيب الرسوم والغرامات، هو أن هذه الشركات التي تعتمد على التقنية العالية في إدارة حلولها تتقاعس في إرسال التنبيهات اللازمة للمستخدم لإدارة مبالغ المشتريات بشكل فاعل بعيدا عن الوقوع في براثن الرسوم والغرامات، الأمر الذي يبدو أن بعض الشركات تعتقد أنه جزء من نموذج العمل لديها!
هناك جدوى كبيرة من النموذج التجاري لهذه الشركات، بعيدا عن أساليب استغلال المستخدم، فهي إلى جانب استقطاعها رسوما من المتاجر تصل إلى 5 في المائة من عملية الشراء، فهذه الشركات أمامها مجال كبير للاستفادة من تطبيقات الدفع الخاص بها لتكون أدوات تسويقية لتحقيق دخل إضافي من المتاجر، حيث تبين أن عددا من عمليات التبضع والشراء يتم من خلال تطبيقات الدفع، وليس من خلال المتاجر الإلكترونية ذاتها.
طريقة الدفع لاحقا قد تنجح مع شرائح عديدة في المملكة بسبب عدم وجود بطاقات الائتمان لدى كثيرين بسبب صعوبة الحصول عليها وارتفاع تكاليفها وأحيانا رسومها السنوية. ولعدم فشل هذه الآلية، فقد يرى المشرع وضع بعض الضوابط لمنع استغلال شركات الدفع اللاحق للمحتاجين من المستخدمين، ممن يجد جاذبية في هذه الحلول. كما ذكرت، ربما يتم إلزام هذه الشركات بتضمين برمجياتهم بطرق تساعد الشخص على معرفة المبالغ المستحقة عليه، مع تنبيهات باقتراب مواعيدها، وكذلك بوضع حدود عليا لمبالغ الغرامات والرسوم الواجب دفعها في حال الإخفاق عن دفع الأقساط في وقتها.

إنشرها