Author

وقفات مع المرض

|
من حكمة الله سبحانه وتعالى تنوع الأحوال على المخلوقات ما بين سراء وضراء ومرض، وصحة، وغنى وفقر. وبحكم الطبيعة البشرية فإن الإنسان عند تعرضه للمصيبة يضيق صدره وتنتابه الهموم والأحزان، ويغفل من أن تلك المصيبة كالمرض مثلا، لها جوانب كان من المفترض أن يقف الإنسان معها وقفات تأملية بينه وبين نفسه.
هل هذا المرض ابتلاء؟ أم أنه عقاب؟ وبالطبع لا يعرف الإجابة إلا الله سبحانه وتعالى، لكن المسلم يطمئن حين يستحضر قول الرسول صلى الله عليه وسلم، "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن إصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن إصابته ضراء صبر فكان خيرا له". والشاعر العربي يقول:

ثمانية تجري على الناس كلهم
ولا بد للإنسان يلقى الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة
وعسر ويسر ثم سقم وعافية

ولابن القيم في كتابه "شفاء الغليل" كلام جميل من ذلك قوله، "إن انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض أمر لا يحس به إلا من فيه حياة، فصحة الأرواح والقلوب موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها". صحيح أن الإنسان لا يرغب في المرض وأنه مطلوب منه شرعا وعقلا أن يبحث عن الأسباب التي تقود إلى الصحة والعافية، وفي الأثر، "لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر"، لكن لكون الأمراض لا يكاد يسلم منها أحد، فالمتأمل يجد أن لها فوائد قد تخفى على كثير من أبرزها كما قرر الشارع، أنها كفارة للذنوب ورافعة للدرجات ومنها أنها تظهر عبودية الصبر. والحق سبحانه يقول "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب". ومنها أن قلب المريض ينعتق من حب الدنيا والتعلق بها ويلجأ إلى التعلق بمسبب الأسباب والتوكل عليه. كما أن المرض مع ما يصحبه من ضعف يكون دافعا للتخلص من الكبر والعجب الذي يعيشه بعض الناس، ومعه يلجأ الإنسان إلى الدعاء وطلب الشفاء وانتظار الفرج.
ويجعله يدرك قيمة الصحة والعافية التي قل من يشكرها مع التعود عليها. فلولا الليل لما عرف النهار وكذا المرض الذي لولاه لما عرفت الصحة. إن المرض بحق فرصة للعقل ليدرك نعمة الصحة التي لم يكن قادرا على تخيلها بوعيه العادي في حال تمام عافيته، كما يعطي الإنسان فرصة لمراجعة حسابه قبل يوم الحساب.
إنشرها