Author

التعاون الدولي وتحديات الكساد «2 من 2»

|
يتبع نظام بنوك التنمية متعددة الأطراف ـ البنك الدولي ونظراؤه الإقليميون ـ الذي صمم لدعم إعادة الإعمار في أوروبا بعد الحرب، نموذجا ماليا بسيطا لكنه يتسم بالقوة. إذ بمبالغ صغيرة من رأس المال المدفوع مدعومة بضمانات حكومية أكبر بكثير "رأس المال القابل للسداد"، يمكن لبنوك التنمية متعددة الأطراف استخدام تصنيفاتها الائتمانية AAA لإصدار سندات بأسعار فائدة منخفضة وإقراض الدول النامية، ما يؤدي إلى تعبئة فاعلة للتمويل الخاص الموجه للاستثمار العام. ولدى البنك الدولي، أكبر بنك متعدد الأطراف، 19 مليار دولار فقط من رأس المال المدفوع، و278 مليار دولار من رأس المال القابل للسداد.
وللتمويل متعدد الأطراف آثار مضاعفة لا يمكن أن تأتي المساعدة الثنائية بمثلها. فكل دولار واحد يستثمر في البنك الدولي من خلال رأس المال المدفوع يعبئ أربعة دولارات في تمويل جديد. ومع ذلك، يستغل نظام بنوك التنمية متعددة الأطراف على نحو ضعيف في أحسن الأحوال. فقد اضطلع نظام البنك الدولي بدور صامت في دعم الدول النامية أثناء الوباء بصرف النظر عن مرفق البنك للقروض الميسرة، المؤسسة الدولية للتنمية، كما أن حافظة تمويل بنوك التنمية متعددة الأطراف للتدخلات المناخية في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط تبلغ 38 مليار دولار فقط ـ وهو جزء بسيط مما هو مطلوب.
ورغم أن بنوك التنمية متعددة الأطراف "ولا سيما بنك التنمية الإفريقي" تعاني نقصا في رأس المال، إلا أن المشكلة الأكبر هي التحفظ الراسخ بعمق في الإدارة المالية. إذ يرفض كبار المساهمين ـ الحكومات الأمريكية والأوروبية ـ السماح بدمج ضمانات رأس المال القابل للسداد في عمليات الإقراض. وبحسب تقديرات الباحثين في معهد التنمية الخارجية، يمكن أن يؤدي تغيير هذه القاعدة إلى تعبئة 1.3 تريليون دولار إضافية، مع تغيير هامشي فقط في التصنيفات الائتمانية وتكاليف الاقتراض.
وأثناء حديثها في اجتماعات الربيع، أعربت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، عن أسفها لفشل بنوك التنمية متعددة الأطراف في تعبئة التريليونات اللازمة للتعافي من الوباء. ومع ذلك، أخفقت إدارة بايدن في إصلاح القواعد المتعلقة برأس المال القابل للسداد.
واصطدمت المحاولات الأخرى للابتكار بعائق بيروقراطي كبير. فقد اقترح جوردون براون، المبعوث الخاص للأمم المتحدة للتعليم العالمي، نظاما للمنح والضمانات المتواضعة التي يمكن أن تضاعف تمويل البنك من أجل التعليم، وتحقق عشرة مليارات دولار. لكن حتى في مواجهة أزمة التعليم غير المسبوقة، تخلف المانحون عن اتخاذ الإجراءات اللازمة.
إن هذه صورة زائفة لنظام "بريتون وودز"، إذ تتجنب بنوك التنمية متعددة الأطراف الحلول التي من شأنها أن تدعم التعافي، وتمنع الانتكاسات المدمرة في التنمية البشرية، وتجلب الأمل لملايين الأطفال، وكل هذا لتدافع دفاعا ليس في محله عن التصنيفات الائتمانية AAA.
ومن المؤسف أن أجندة بنك التنمية متعددة الأطراف ليست وحدها التي تعثرت. إذ بعد تسعة أشهر من تعهد حكومات مجموعة العشرين بتخصيص 100 مليار دولار من الإصدار الجديد من صندوق النقد الدولي لحقوق السحب الخاصة "حقوق السحب الخاصة، الأصول الاحتياطية للصندوق" للدول الفقيرة، لم يحول سنت واحد من المبلغ. وفي الوقت نفسه، مع خدمة الديون التي من المقرر أن ترتفع 45 في المائة هذا العام ـ معظمها سيذهب إلى الدائنين التجاريين والصين ـ فإن الاستثمارات الحيوية أصبحت تدفع إلى الخروج، وخطر التخلف عن السداد السيادي غير المنتظم آخذ في الازدياد. ومع ذلك، فإننا لسنا أقرب إلى إطار شامل لخفض الديون مما كنا عليه قبل عام.
ومع تفاقم الأزمة التي أحدثها كوفيد - 19، دعا بعض المعلقين إلى تجديد نظام "بريتون وودز". ولديهم وجهة نظر، وهي أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يحتفظان بحوكمة عفا عليها الزمن ويهيمن عليها الغرب. لكن ما ينقص الاستجابة لتحديات التنمية البشرية المحددة اليوم، ليس الهيكل المالي، بل الحس بالإلحاح، والهدف المشترك، والجهود المشتركة التي حددت مؤتمر "بريتون وودز" الأصلي.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.
إنشرها