Author

سوق تتعثر بأموال رخيصة

|

التراجع الأخير في قيمة الأصول الرقمية، أظهر مرة أخرى حقيقة المخاطر في هذه السوق المضطربة. ويبدو واضحا، أن هذه "الإخفاقات" أو التراجعات التي تحدث بين الحين والآخر في ساحة لا تخضع لضوابط واضحة، ستستمر، وتهدد بفقاعة هائلة.
فالانكماش الأخير في هذه الأصول، هو الأخطر بالفعل، ولا سيما بعد أن فقدت العملات المشفرة من قيمتها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وتراجعت من إجمالي ثلاثة تريليونات دولار إلى أقل من 900 مليار دولار، حتى عملة بيتكوين الأكبر والأقدم بين كل العملات المشابهة، فقدت 70 في المائة من قيمتها منذ أواخر العام الماضي. ورغم ذلك، لا يزال هناك متحمسون لمثل هذه العملات، بينما تبقى تحركات الجهات التشريعية المالية العالمية شبه هامدة حيال هذه السوق المتأرجحة إلى حد خطير للغاية.
الخوف من العملات المشفرة يتزايد، وبات المشهد العام محاطا بما يمكن وصفه بـ"ذعر التشفير"، مع تراجع أعداد أولئك الذين كانوا يعتقدون أن هذا الميدان يحقق ثروات هائلة في مدة زمنية قصيرة، بصرف النظر عن مستوى الضمانات أو الثقة به. والتشكيك بات حاضرا على الساحة من جهات كانت تعتقد أن المسألة تتطلب وقتا، لكي تثبت هذه العملات جدارتها في النظام المالي العالمي. فلا توجد عملة رقمية واحدة من أصل 1600 عملة مدرجة في البورصات الرئيسة والمتوسطة الحجم والمتخصصة، آمنة بما يكفي لأن تمضي في مسارات طبيعية لاحقا. فحتى عملة "تيرا" التي توصف بأنها مستقرة، وحافظت في السابق على قيمة ثابتة لها، سقطت في الآونة الأخيرة، وسبقتها في ذلك عملة "لونا"، التي كانت تعد أيضا واحدة من "الرقميات" المستقرة.
الفقاعة التي تحذر بعض الأوساط من وقوعها، قد لا تصل إلى مستوى الفقاعة التي ولدت أزمة اقتصادية عالمية في 2008، إلا أنها بلا شك ستضرب السوق المالية بعنف.
فقد بدأت بالفعل مطالبات من صناديق تحوط بإيداع مبالغ إضافية لتغطية الخسائر الأخيرة، وتلك المحتملة التي ربما تظهر في وقت قريب، وفق مراقبين مهتمين في هذه السوق. وعندما يتم الحديث عن حزم إنقاذ، يعني ذلك أن الأزمة قد تتفاقم أكثر، وربما تخرج عن السيطرة. في ظل هذه الأجواء، بدأ المستثمرون الخائفون في سحب أموالهم من السوق الرقمية - إن جاز الوصف - ما يسهم بالطبع في إرباك المشهد العام. والذي يرفع من حدة المخاوف، أن عددا من المنصات قامت بالفعل بتقييد عمليات السحب، في حين أعلنت بورصة كوينفليكس تجميد أموال عملائها، ما يزيد الأمر تعقيدا.
وترتفع وتيرة الخوف أيضا من جراء زيادة مقلقة في القروض السهلة. وتم ذلك عندما كانت قيمة العملات المشفرة كلها تقريبا تحلق في الأعلى، مع تراكم الأموال والعوائد. فعلى سبيل المثال، استقبلت منصات الإقراض العامة كميات هائلة من الأموال، إلى درجة أن دفعت منصة "سيلسيوس" المعروفة أسعار فائدة بلغت 17 في المائة.
الأمور كانت تمضي وفق آمال المستثمرين المتمرسين و"الأغرار" في آن معا. لكن الأوقات تتغير، والمخاوف تتزايد، ولا سيما في ظل تطورات بدلت من المشهد الاقتصادي العالمي ككل، مثل موجة التضخم العالمية، والارتفاع الحاد في معدلات الفائدة، فضلا عن المشكلات الناجمة عن المواجهات الجيوسياسية، كالأزمة الروسية - الأوكرانية، فضلا عن حالة عدم اليقين التي تسود الساحة الاقتصادية عموما، بفعل عوامل أخرى مباشرة وغير مباشرة.
سيبقى المشهد العام للعملات المشفرة مضطربا إلى وقت لا أحد يعرف متى ينتهي، خصوصا في ظل بقاء الجهات التشريعية المالية العالمية في حيز المراقب، لا المشرع الضامن الذي يسهم في نشر الطمأنينة في هذا القطاع أو ذاك. وإذا ما تعمق "ذعر التشفير" أكثر، فإن الفقاعة التي يخشى منها العالم قد تظهر.

إنشرها