FINANCIAL TIMES

«ريفلون» البطيئة تتخلف وراء شركات التجميل الرشيقة سريعة الخطى

«ريفلون» البطيئة تتخلف وراء شركات التجميل الرشيقة سريعة الخطى

في أوج شركة ريفلون في ثمانينيات القرن الماضي، ظهرت سيندي كروفورد وكلوديا شيفر، عارضتا الأزياء، في إعلانات على التلفزيون والمجلات، تعدان بأن تجعلا النساء "لا ينسين" عند استخدامهن أحمر الشفاه اللامع الذي تقدمه لهن الشركة صاحبة العلامة التجارية.
اليوم، يبحث المستهلكون عن مستحضرات التجميل على وسائل التواصل الاجتماعي في خضم كم هائل من العلامات التجارية المستقلة الصاخبة التي تقدمها شخصيات مشهورة مثل المغنية ريهانا وكايلي جينر المؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، اللتين همشتا علامات تجارية مثل "ريفلون". حتى إن المجموعة الأمريكية التي تبلغ من العمر 90 عاما المملوكة بالأغلبية للملياردير رون بيرلمان، والمثقلة بديون كبيرة، تقدمت الأسبوع الماضي بطلب لإشهار إفلاسها.
فقد أصبح قطاع التجميل شديد المنافسة وسريع الخطى، كما اتضح من خلال الشركة باعتبارها الضحية الأبرز. وهذا يتطلب استثمارات ضخمة في التسويق الرقمي وابتكار منتجات جديدة حتى لا تفقد العلامات التجارية تأثيرها. على عكس السلع الأساسية الأخرى مثل المواد الغذائية أو المنتجات المنزلية حيث يمكن للعلامات التجارية أن تبقى على قيد الحياة لعقود، مع إدخالها حدا أدنى من التعديلات. رغبة المستهلكين في عالم الجمال تتطور بسرعة، غالبا تحت تأثير الثقافة والموضة والفن.
قالت ستيفاني ويسينك، المحللة في مجموعة جيفريز "العلامات التجارية المستقلة تخاطر باستمرار وتروج لتوجهات جديدة. يبدو الأمر كما لو أن شركات التجميل الكبيرة الراسخة تشبه السلحفاة التي لا تتسابق ضد أرنب واحد، بل ضد مئات الأرانب".
لقد تعلمت الشركات الرائدة في الصناعة، مثل لوريال وإستي لودر وشيسيدو، كيف تزدهر في هذا المشهد الجديد عن طريق استغلال وصولها العالمي والمعرفة العلمية التي لديها، والاستحواذ على أكثر العلامات التجارية المستقلة الواعدة كي تحافظ على أهميتها.
لكن أمثال "ريفلون" و"كوتي" مرت بصعوبات لأن مستحضراتها التجميلية أنتجت لسوق واسعة النطاق ولأنها تفتقر إلى الشمولية في فئة المنتجات الأسرع نموا في السوق، وهما العناية بالبشرة والصين. وكانت كلتا الشركتين مقيدة بديون متراكمة جراء عمليات استحواذ، على الرغم من أن شركة كوتي أحرزت تقدما بعد سداد ديونها، لذلك يقول محللون "إنها من غير المرجح أن تلقى مصير ريفلون نفسه".
إلى جانب ذلك دفعت جائحة كوفيد - 19 الشركات الأقل مرونة خطوة إلى الوراء، حيث أثرت عمليات الإغلاق وارتداء الأقنعة في الطلب على منتجات التجميل ووجهت مزيدا من المستهلكين إلى التسوق عبر الإنترنت. كذلك تعثرت سلاسل التوريد لكل شيء من البلاستيك إلى الأصباغ، التي أصبحت ميزة إضافية تتحلى بها الشركات الكبرى التي تتمتع بنفوذ أكبر لدى الموردين.
لم تنتعش المبيعات العالمية لمنتجات التجميل بعد إلى مستوياتها في 2019، على الرغم من أن بعض الفئات الأخرى مثل منتجات العناية بالبشرة والعطور الفاخرة حققت ذلك، وفقا لبيانات نشرتها شركة ماكينزي.
وتجاوزت أقوى الشركات، مثل لوريال وإستي لودر، مبيعاتها قبل الجائحة بالفعل، وذلك بفضل حضورها الكبير في السوق الصينية المزدهرة ورسوخها في مجال العناية بالبشرة بفضل علامات تجارية مثل لانكوم ولامير. وتوقعت لوريال أن يتجاوز نمو إيراداتها هذا العام نسبة التوسع البالغة 4 ـ 5 في المائة التي حققتها سوق مستحضرات التجميل العالمية. لكن في المقابل، لا تزال مبيعات كل من "ريفلون" و"كوتي" و"شيسيدو" تعاني عند مستوياتها قبل الجائحة.
حتى الشركات الفائزة في صناعة التجميل شهدت أداء سيئا في سوق الأسهم هذا العام، حيث تسببت القيود المفروضة نتيجة لكوفيد - 19 في الصين وكذلك المخاوف من ركود عالمي في إثارة قلق المستثمرين. انخفضت أسهم إستي لودر 30 في المائة، وتراجع سهم لوريال 22 في المائة، وخسرت شيسيدو 18 في المائة، تدنى أداؤها عن متوسط مؤشر داو جونز الصناعي ومؤشرات السلع الاستهلاكية العالمية. كذلك انخفض سهم "كوتي" 30 في المائة هذا العام، وتراجع سهم "ريفلون" 38 في المائة.
وعلى الرغم من أن الصين أثبتت على مدار العقد الماضي أنها نعمة لبعض شركات التجميل، إلا أن سياسة "صفر كوفيد" التي وضعتها بكين حدت من جاذبيتها هذا العام.
لقد تضررت شركة إستي لودر بشدة على وجه الخصوص بسبب عمليات الإغلاق الأخيرة في الصين، ما أدى بها إلى إرسال تحذيرات بشأن الأرباح في أيار (مايو). وتمثل الصين نحو ثلث مبيعات الشركة ويقع مركزها الرئيس للتوزيع في شنغهاي، التي كانت المركز الذي تفشى فيه فيروس كوفيد - 19 أخيرا، ما جعلها غير قادرة على توفير الإمدادات لبقية البلاد.
ونظرا إلى مكانة الصين باعتبارها ثاني أكبر سوق لمستحضرات التجميل بعد الولايات المتحدة، قالت ويسينيك، من مجموعة جيفريز، "إن الصين ستستمر في تشديد الخناق على القطاع ما لم تتوقف السلطات عن فرض سياستها الصارمة تجاه كوفيد - 19".
لكن في باريس التي كانت تعد وجهة مفضلة للسياح الصينيين عندما كان السفر أسهل مما هو الآن، لم تكن هناك مؤشرات تذكر على حدوث أي تباطؤ في الحركة الشرائية في متاجر بون مارشيه الراقية في المدينة هذا الأسبوع، حيث تتنافس العلامات التجارية المستقلة مثل "شارلوت تيلبوري" على اهتمام المستهلكين، إلى جانب شركتي ديور وشانيل الراسختين.
وفقا لكاتب مبيعات - طلب عدم نشر اسمه - السوق اكتظت بعد عودة السياحة الدولية وعندما أصبح موسم الزواج على قدم وساق. قال "يريد الناس أن ينغمسوا في الحياة، لذا قاموا بشراء منتجات التجميل التي تجعلهم يشعرون بالارتياح".
إيلينا بولارد، من قاطني باريس، قالت "إنها أتت إلى المتجر للبحث عن أحمر شفاه جديد ومستحضر لتسمير البشرة، لأنها تخطط للذهاب إلى مكان عملها هذا الصيف بصورة أكثر بعد أن قضت فترة طويلة تعمل من المنزل"، وأضافت "لم أشتر مستحضرات التجميل منذ فترة، وقد وجدت هنا كثيرا من المنتجات الجديدة".
كانت منتجات التجميل الراقية أفضل حالا بعد خروجها من الجائحة، مقارنة بالعلامات التجارية الأرخص. ففي الولايات المتحدة، كانت سوق منتجات "الجمال المتميز"، التي تشمل المنتجات التي تباع في المتاجر المتخصصة، مثل سلسلة متاجر أولتا، وكذلك المتاجر الكبرى، قد نمت بقوة العام الماضي محققة 22 مليار دولار، أي 7 في المائة فوق مستويات 2019، وفقا لشركة إن بي دي لأبحاث السوق.
كذلك تمتعت بهذه النهضة منتجات العطور الفاخرة، بما فيها العلامات التجارية الجديدة التي تقدم خلطات مخصصة للأفراد. قالت لاريسا جنسن، من "إن بي دي"، "أصبح المستهلكون يشترون زجاجة عطر بقيمة 300 دولار بدلا من 80 دولارا، كي يدللوا أنفسهم".
حصلت "ريفلون" على نصيبها من هذا الانتعاش الجديد، لكن بعد فوات الأوان. مشكلاتها تعود إلى فترة أبعد بكثير من ذلك. فقد ظلت مبيعاتها راكدة معظم الوقت في العقدين الماضيين باستثناء تحسن في 2016 عندما اشترت "ريفلون" شركة إليزابيث آردن، لكنها سجلت خسائر خلال الأعوام الستة الماضية.
قال محللون "إن علامات شركة ريفلون لم تستطع مواكبة أذواق المستهلكين المتغيرة، التي باتت تؤكد التعبير عن الذات وعدم الخجل من العيوب الشكلية أكثر من تبنيها معايير الجمال التي يستحيل بلوغها. كما أن ضعف ريفلون في مجال العناية بالبشرة يعني أيضا أنها فشلت في الاستفادة من الازدهار في تلك الفئة من المنتجات".
وقد جعلت الميزانية العمومية التي زادت عليها الأعباء، الشركة غير قادرة على الاستحواذ على علامات تجارية مستقلة من أجل تحديث خطوط منتجاتها. فبعد أن تقدمت بملف الإفلاس للمحكمة، ستستمر في التداول وفي أثناء ذلك ستضع خطة لسداد ديونها.
الطريقة التي تظهر بها العلامات التجارية المستقلة في مجال مستحضرات التجميل، من نواح غير متوقعة في الغالب، تبرز حجم التحديات التي واجهتها شركة ريفلون بسبب عدم استعدادها لذلك.
شركة هاف ماجيك، مثلا، علامة تجارية أطلقتها في أيار (مايو) دونييلا ديفي فنانة التجميل، التي اشتهرت من خلال ابتكار إطلالات "ساحرة عاطفية" للممثلات في الدراما التليفزيونية الأمريكية الشهيرة "إيفوريا". وعلى منصة تيك توك، حقق الهاشتاج #EuphoriaMakeUp 2.1 مليار مشاهدة، حيث ينشر الأشخاص مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يضعون ظلال العيون ذات الألوان الزاهية واللامعة ويضعون كذلك أحجار النيون المستوحاة من العرض التلفزيوني.
ومع أن شركة هاف ماجيك قد تفشل تماما، إلا أنها ترمز إلى الكيفية التي تزدهر بها العلامات التجارية والاتجاهات الجديدة في مجال التجميل على وسائل التواصل الاجتماعي. وكي تتابع التغييرات، قامت شركات التجميل الكبرى بزيادة إنفاقها على التسويق الرقمي من أجل الإعلان عن علاماتها التجارية وكذلك للاستفادة من الاتجاهات الجديدة عند ظهورها.
قال آين سيمسون، المحلل في "باركليز"، "إذا كنت ترغب في إدارة شركة مستحضرات تجميل ناجحة في هذه الأيام، فعليك أن تدفع لجيش في عمر 20 عاما كي يستخدم تطبيقي تيك توك وإنستجرام طوال اليوم لمراقبة الاتجاهات والتفاعل مع المستخدمين حول كل ما يتعلق بعلاماتك التجارية. إنه ليس بالنشاط التجاري الذي يمكنك إدارته بكفاءة ونجاح مع كثير من الديون عليه".
سو واي نابي، الرئيسة التنفيذية لشركة كوتي، قالت في مقابلة "إن المجموعة أحرزت كثيرا من التقدم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تجديد علاماتها التجارية في السوق الشاملة"، وأضافت "أن تحافظ على أهميتك هو من أهم الأمور"، بما في ذلك النزول عند رغبة المستهلكين فيما يسمى بمنتجات "الجمال النظيف" التي تستبعد المواد الكيميائية الضارة أو باستخدام "تيك توك" لجذب المستهلكين من الجيل زد.
ومن الأمثلة على الطرق التي تحاول من خلالها شركة كوتي تجديد أسماء بعض المنتجات القديمة كان إطلاقها منتجا جديدا لتجميل الرموش أخيرا تحت علامتها التجارية ريميل. واستخدمت الشركة إحدى الشخصيات المؤثرة على منصة تيك توك في المملكة المتحدة، هي أوليفيا نيل، للمساعدة على تصميم وترويج المنتج المسمى ثريل سيكر.
قالت نابي "إنها المرة الأولى التي نقوم فيها بفعل شيء من هذا النوع. لقد تعلمت شركات أخرى مثلنا كيف تطلق منتجات رائجة تماما كما تفعل العلامات التجارية المستقلة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES