Author

خطورة التلوث الضوئي

|
قبل اكتشاف الكهرباء والأضواء الصناعية كان الناس يتعايشون مع البيئة الطبيعية بكل جمالها وهدوئها. يستيقظون مبكرين ويخلدون إلى النوم مع ساعات الليل الأولى، وقد مكنهم ذلك من التمتع برؤية السماء وهي تتزين بالكواكب والنجوم والمجرات، ويجدون في ذلك متعة لا حدود لها. الآن أوشك كل ذلك أن يصبح ضربا من الماضي في ظل انتشار الإضاءة الصناعية في كل مكان.
تكمن المشكلة في الاستخدام المفرط أو الاستخدام الخاطئ لهذه الطاقة وهو ما يعرف بالتلوث الضوئي. تشير الإحصائيات إلى أن ربع الكهرباء المستهلكة عالميا هو من استخدام الإضاءة الصناعية. يتضح ذلك جليا حين ترى المدن، بل حتى البلدات الصغيرة والقرى وقد تحولت إلى شعلة من الإضاءة دون حاجة إلى ذلك مع ما فيه من هدر اقتصادي لا مبرر له.
تشير الدراسات العلمية إلى أن التلوث الضوئي له أيضا تأثيرات سلبية في الكون بما فيه من إنسان وحيوان ونبات، إذ تعتمد معظم الكائنات بما فيها الإنسان على ضبط إيقاع ما يعرف بالساعة البيولوجية وهرمون الميلاتونين الذي يفرزه المخ في الليل ويزداد مع اقتراب موعد النوم، وبذلك تنتظم مواعيد النوم لدى البشر وأغلب الكائنات بشكل طبيعي، لكن عند التعرض للضوء الاصطناعي ينخفض إنتاج الميلاتونين ويصحب ذلك حدوث اضطراب في النوم ومشكلات صحية أخرى، مثل الإرهاق والقلق والصداع والسمنة والسرطان وغيرها، وهو ما تؤكده دراسة نشرها المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية الأمريكي. كما أثبتت دراسة أجريت في جامعة سيئول في كوريا الجنوبية ونشرت في مجلة "طب النوم السريري"، أن التلوث الضوئي كان سببا رئيسا في زيادة صرف الأدوية المنومة لكبار السن.
ينتشر التلوث الضوئي في كثير من دول العالم، ويمكن لمن يريد معرفة درجة التلوث الضوئي في أي مكان أن يراجع موقع lightpollutionmap.info.
وللحد من التلوث الضوئي والآثار المترتبة عليه، فإنه من اللازم إعادة النظر في أنظمة الإنارة خاصة أنظمة إضاءة الشوارع، وذلك بالتقليل منها، ما يحقق الفائدة المرجوة ويمنع الهدر، وأيضا باستخدام مستشعرات الحركة التي تضيء عند مرور الأجسام أمامها ثم لا تلبث أن تنطفئ. وكذلك عدم إضاءة الأماكن التي لا تحتاج إلى ذلك مثل مواقف السيارات الخارجية ونحوها. ولا شك أن عبئا كبيرا يقع أيضا على عاتق المجتمع الذي يلزمه ترشيد استخدامه للإضاءة الصناعية الزائدة عن الحاجة.
إنشرها