بيوت الخبرة بين التوصية والتحذير
استطاع أهل الخبرة في الأسواق المالية قراءة الأحداث والتنبؤ بكثير منها قبل وقوعها وتوقع نتائجها والنجاة من عدة أزمات مرت بها الأسواق، وحيث إن التراجعات الحادة التي تعصف بالأسواق المالية حاليا يعرفها ذوو الخبرة والمعرفة قبل بداياتها والمتأخر منهم يرى أولى شراراتها بينما أغلبية المتداولين يرونها بعد وقوعها كما أن هناك من لا يراها حتى لو كانت محفظته تصارع لأجل البقاء فوق مستوى الصفر!
وقبل الحديث عن بيوت الخبرة سواء كانت عالمية أو شركات محلية فلا شك أن لتوصياتها أو تحذيراتها أثرا بالغا في الأسواق المالية ويهتم بها كثير من المستثمرين، ما يصعب تجاهل هذا الأثر أو إنكاره، لكن من المهم معرفة التوقيت التي تصدر فيه هذه الجهات توصياتها أو تحذيراتها، حيث إن "البعض" منها يعمل في الأسواق وربما تتقاطع مصالحها في بعض الطرق مع مصالح المتداولين.
ما شهدته الأسواق العالمية منذ مطلع العام الحالي وتحديدا السوق الأمريكية كمثال لا حصر التي تعد قائدة لبقية الأسواق هو تصحيح من النوع القاسي حتى الآن، حيث راوحت تراجعات المؤشرات الثلاثة "داو جونز- إس آند بي 500 - ناسداك" بين 16 و20 في المائة لكن الملاحظ أن تحذيرات بيوت الخبرة لم تصدر في معظمها إن لم تكن كلها إلا بعد حدوث هذه التراجعات وكأنها تصب الزيت على النار!
ففي الأسبوع الحالي فقط صدرت عدة تقارير منها التقرير الذي صدر عن "جولدمان ساكس جروب" الذي حذر من تراجع القوة الشرائية للمستهلكين وتأثيره في أرباح الشركات وبالتالي خشيته عمليات بيوع كبرى على الأسهم! ومرورا بتقرير "مورجان ستانلي" الذي تحدث أن صناديق التحوط تتأهب لاضطرابات جديدة في أسواق الأسهم وأن تراجع السوق قد يستمر لفترة أطول!
لست هنا للتشكيك في هذه التقارير ولا في جهاتها التي أصدرتها فغيرها كثير حذا حذوها في إصدار التحذيرات وتحديدا الفترة الأخيرة، حيث تهافت كثير من بيوت الخبرة على التحذير من الأسواق تارة بسبب التضخم وتارة خشية الركود وتارات أخرى لأسباب مختلفة، وعلى الرغم من تأثير هذه التقارير سلبا في الأسواق واستمرار عمليات البيوع من خلال ما يشعر به المتداولون من ذعر مضاعف، يبقى السؤال هنا، لماذا لا تصدر هذه التحذيرات قبل وقوع مثل هذه التراجعات الحادة؟ ولماذا لا تكون قبل فقدان الأسواق والأسهم كثيرا من قيمتها السوقية؟ فحتى لو استمرت التراجعات إلا أن توقيت هذه التحذيرات جاء متأخرا أو كما يقال "بعد خراب مالطا" فالمستثمرون الذين فقدوا نسبة لا يستهان بها من قيمة محافظهم بحاجة إلى النصح والتوجيه والإشارة إلى القطاعات الآمنة أو حتى التعامل مع مثل هذه الأزمات لا بث الرعب أو تفسير ما يحدث.
وقد تطرقنا عبر صحيفة "الاقتصادية" نهاية العام الماضي عن التضخم وتأثير ما سيحدث في الأسواق عند مكافحته وهو ما رأيناه واقعا خلال الفترة الماضية، لذلك ينبغي للمتداول ألا ينتظر الإشارة للقاع ممن لم يحذره عند القمم، فغالبا ما تزداد الأخبار الإيجابية قرب القمم وتكون الأخبار السلبية كذلك عند الاقتراب من القيعان حسب ما تقتضيه عمليات التجميع والتصريف، لذلك نحتاج إلى فلترة التوقيت قبل المحتوى لما يصدر من تقارير سواء ببيع أو شراء.