Author

العلا .. رؤية الفن والثقافة

|

يجمع كثير من الباحثين والمهتمين على أهمية دراسة، وتطوير التراث، والمحافظة عليه باعتباره واقعا تاريخيا، وثقافيا قيما، وعنصرا أساسيا لفهم طبيعة التطور، وكيفية تشكل بنية المجتمع.
وبذلك، فإن التراث هو المدخل لدراسة الماضي، وفهم الحاضر، واستشراف المستقبل، فيما يشير تقرير عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، "اليونسكو" إلى أن مجتمع الممارسين في مجال التراث يدركون منذ زمن بعيد الحاجة إلى صون التراث العالمي، وتجدد الوعي بأهميته في عالمنا المعاصر وارتباطه بسياق عالمي موسوم بتحولات كبرى اجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وبيئية.
هذه المستويات تتفاعل فيما بينها، لتعيد للبعد الثقافي أهميته، وقد سعى كثير من دول العالم إلى إعادة الاعتبار للشأن الثقافي، بعدّه مدخلا رئيسا لتحقيق التنمية المستدامة، وترسيخ الواقع المعايش وربطه بالماضي. مدير عام "اليونسكو" تقول: "إن التراث لبنة في بناء السلام، والتنمية المستدامة، والكرامة، وهو مصدر الهوية للمجتمعات، وينبوع المعرفة والقوة".
وفي عالم اليوم الذي تتنافس فيه الدول بواقعها الثقافي والتراثي والفني وتعمل على تطويره من خلال المشاريع المتجددة تتمتع السعودية برصيد ضخم من المكونات التراثية العريقة، والأصيلة، ما يمنحها مزايا نسبية عالمية كمصدر من مصادر الثقافة الإنسانية المشتركة التي تسهم في بناء السلام والتنمية المستدامة. وتعد منطقة العلا من أهم مكونات الإرث الثقافي السعودي ذي الطابع العالمي، باعتبارها من المناطق التاريخية التراثية العريقة، وتتمتع أراضيها بموروثات ثقافية وتراث، وفن معماري قديم، يعد من النوعيات التي يهتم بها الباحثون وتجذب السياح من كل أنحاء العالم.
ويأتي مشروع وادي الفن الذي تم إطلاقه أمس كخطوة جديدة للسعودية لتحقيق الريادة التراثية والثقافية في منطقة العلا. على أرض الواقع حظيت العلا كمنطقة وتراث وثقافة باهتمام كبير من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمحافظة العلا، من منطلق تفرد هذه المنطقة بمزايا لا تضاهيها منطقة أخرى في العالم، مزايا الإرث التاريخي والتراث الأصيل، ومزايا تتعلق بالبيئة نفسها، وتفردها بنماذج خاصة.
وقد رسم الأمير محمد بن سلمان رؤية واضحة في اختيار المناطق التراثية، والسياحية في السعودية، ومن بينها العلا، فقد قال في أكثر من مناسبة: "إننا لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل نريد أن نضيف شيئا جديدا للعالم، فكثير من المشاريع التي تنفذ في المملكة تعد فريدة من نوعها، إنها مشاريع ذات طابع سعودي". ولذا تم وضع رؤية متكاملة لتطوير المحافظة وتحويلها إلى وجهة للتراث العالمي، كما أطلق ولي العهد رؤيته التصميمية في نيسان (أبريل) 2021، لجعل المنطقة وجهة عالمية رائدة للفنون والتراث والثقافة والطبيعة، تحقيقا لمستهدفات رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
كما تم إطلاق مشروع رحلة عبر الزمن لتصبح العلا أكبر متحف حي في العالم عبر خمسة مراكز ثقافية تعكس الهوية الثقافية، والطبيعية الفريدة للبيئة المحلية مع تجربة الزائر بمزيج من الاستمتاع بالإبداع والانغماس بسحر التجربة الغامرة والمعرفة، وسط البيئة الطبيعية الثقافية للعلا. ويأتي مشروع "وادي الفن" ضمن مسار "رحلة عبر الزمن"، بما يشكل مزيجا فريدا يجمع الأعمال الفنية الإبداعية المتكاملة مع مسار البيئة الطبيعية ضمن مساحة تقدر بـ65 كيلومترا مربعا، وأعمال فنية فريدة لأشهر الفنانين السعوديين، والعالميين، وأعمال ثقافية تناقش موضوعات إنسانية عميقة مثل الذاكرة الجماعية، والفولكلور، والحضارة، والإنجاز، وأهمية الضوء.
وعلي الصعيد السياحي والثقافي العام انطلقت منطقة العلا من ناحية تطويرية بسرعة منذ إنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وهي اليوم تضع نفسها بقوة على الخريطة الثقافية العالمية بعدد من الأحداث، والمهرجات الثقافية. مهرجان شتاء طنطورة يعد أول مهرجان موسيقي وفني في السعودية مع مجموعة من النشاطات الترفيهية والفعاليات التراثية والثقافية، وكذلك مهرجان فنون العلا وهو ضمن مجموعة من الفعاليات مثل معرض "صحراء X العلا". كما أطلقت الهيئة برنامج الإقامة الفنية الذي امتد على مدى 11 أسبوعا، وطورت "مدرسة الديرة" مطلع عام 2020 التي تعد مركزا ثقافيا يعنى بتنمية المهارات الحرفية، وأساسيات التصميم.
وخلاصة القول، فإن منطقة العلا تشهد بين فترة وأخرى نشاطات متنوعة ومشاريع متعددة، وذلك انطلاقا من برامج رؤية 2030، باعتبارها نموذجا ناجحا، ومشرفا لتحقيق مستهدفات استثمارية، ومحاور ثقافية، وتراثية، وفنية، ومعمارية، تسهم بشكل كبير في جذب السياح، والمهتمين بالنشاطات الثقافية بمختلف أنواعها، وتصبح مركز ثقل ثقافي مميزا، ومرجعا تأريخيا للتراث، والمعمار، والفنون، وأرضية جذابة للاقتصاد السياحي.

إنشرها