الركود التضخمي والحلول الاقتصادية .. أين تستثمر وكيف تتمركز ؟

الركود التضخمي والحلول الاقتصادية .. أين تستثمر وكيف تتمركز ؟
الركود التضخمي والحلول الاقتصادية .. أين تستثمر وكيف تتمركز ؟
الركود التضخمي والحلول الاقتصادية .. أين تستثمر وكيف تتمركز ؟
الركود التضخمي والحلول الاقتصادية .. أين تستثمر وكيف تتمركز ؟
الركود التضخمي والحلول الاقتصادية .. أين تستثمر وكيف تتمركز ؟
د. فهد بن عبد الله الحويمانيمختص في الأسواق المالية والاقتصاد@FahadAlHoymany
الركود التضخمي والحلول الاقتصادية .. أين تستثمر وكيف تتمركز ؟

تتابع الشعوب الأحداث الاقتصادية وقرارات الحكومات والبنوك المركزية عن كثب في توتر وقلق من حدوث أزمات اقتصادية كبرى، كما حدث في أعوام سابقة من فترات ركود وانهيارات في الأسواق المالية، وما نتج عنها من تأثيرات مدمرة، كما حدث في الكساد الكبير في أواخر عشرينيات القرن الماضي. وهذه الأيام تتزايد التوقعات حول حدوث ما يعرف بالركود التضخمي، ما يجعل المستثمرين في حيرة وقلق فيما يخص الوقت المناسب للاستثمار، وفي أي وسائل يستثمرون.

طبيعة الركود التضخمي

يتكون الركود التضخمي من ظاهرتين من المفترض عدم حوثهما في الوقت نفسه، فالركود يعني تراجع النشاط الاقتصادي للدولة من فترة إلى أخرى، ما يعني احتمال تقلص عدد الوظائف المتاحة وتراجع أرباح الشركات وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين. ظاهرة الركود هذه ليست غريبة في حد ذاتها، فهي تحدث في كثير من الاقتصادات وتسمى الدورة الاقتصادية، لكن عندما يصاحب ذلك الركود ظاهرة ارتفاع في الأسعار فإن هاتين الظاهرتين معا تؤديان إلى ما يسمى الركود التضخمي. المشكلة هنا أن الركود الاقتصادي يعالج بخفض معدلات الفائدة لإنعاش الاقتصاد، لكن في وجود ظاهرة تضخم في الوقت نفسه فإن خفض معدلات الفائدة لا يمكن العمل به، كون ذلك يصبح كمن يرش مزيدا من الوقود على نار مشتعلة.
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تفاعلت عدة أحداث أدت في نهاية المطاف إلى حدوث الركود التضخمي، التي من بينها انهيار اتفاقية بريتون وودز المتعلقة باستبدال الدولار بالذهب، وبالتالي تأثرت الاقتصادات المتقدمة في أوروبا وغيرها باقتصاد الولايات المتحدة الذي تأثر بالإنفاق العسكري في حرب فيتنام، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الطاقة المتمثل في ارتفاع أسعار النفط ثلاثة أضعاف ما كانت عليه نتيجة حظر النفط العربي. ومع ارتفاع أسعار الطاقة ارتفعت تكاليف جميع السلع والخدمات، فأدى ذلك إلى حدوث تضخم في الأسعار، أسهمت في زيادته القيود التي فرضها الرئيس ريتشارد نيسكون فيما بعد للحفاظ على الأسعار والأجور في مستويات معينة، التي أدت بدورها إلى خفض الإنتاجية، التي فشلت بشأنها الحكومات الغربية في رفع الطاقات الاستيعابية والتصنيعية نتيجة طفرة النمو السريع بعد الحرب العالمية الثانية، ما أدى في النهاية إلى انخفاض النشاط الاقتصادي.
إذا كان خفض معدلات الفائدة سيفاقم من مشكلة التضخم، ورفع معدلات الفائدة يخفف من التضخم لكن يؤدي إلى تراجع في النمو الاقتصادي.. فما الحل إذن؟

التضخم علاج ضد البطالة

صحيح أن تضخم الأسعار آفة تحارب على جميع المستويات، لكن يجب الانتباه إلى نقطتين مهمتين فيما يخص التضخم وتأثيره في الاقتصاد. النقطة الأولى هي أن هناك نسبة معينة للتضخم تسعى معظم الدول إلى تحقيقها، وهي في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 2 في المائة سنويا، أي أن هناك حاجة لأن ترتفع الأسعار من عام إلى آخر، لا أن تبقى صفرا ولا أن تتراجع. أما النقطة الثانية فإن النظرية الاقتصادية التقليدية تأخذ بمفهوم منحنى فيليبس، الذي يرى أن ارتفاع نسبة التضخم يعني انخفاض مستويات البطالة، والعكس كذلك صحيح، أي انخفاض نسبة التضخم ينتج عنها ارتفاع في مستويات البطالة.
أول من أشار إلى هذه الظاهرة هو الاقتصادي ويليم فيليبس في 1958، حين لاحظ هذه العلاقة في الاقتصاد البريطاني على مدى مائة عام. وعلى الرغم من بساطة الاستنتاج، إلا أن هذا الموضوع أصبح من أهم الأدوات المستخدمة في النظرية الكينزية، حيث حصل فيما بعد سبعة أشخاص على جائزة نوبل في الاقتصاد لأعمالهم المتعلقة بمنحنى فيليبس، بين مؤيد ومعارض. أهمية استنتاج فيليبس بشأن العلاقة بين التضخم والبطالة تكمن في كونها تعطي متخذ القرار الاقتصادي حلا بسيطا لمعالجة البطالة، أو رفع مستوى التوظيف، وذلك من خلال رفع مستوى الطلب الكلي في الاقتصاد، فتنخفض البطالة لكن تزداد نسبة التضخم.
منحنى فيليبس بشكله البسيط يعني أن الخروج من الركود التضخمي يتم بضخ السيولة وتفعيل السياسة المالية بأعلى طاقاتها، الأمر الذي سينتج عنه ارتفاع في مستويات التضخم لكن في الوقت نفسه سينتعش الاقتصاد وتنخفض مستويات البطالة. وعلى الرغم من ذلك، من الصعب جدا على معظم الاقتصادات التضحية بالسيطرة على الأسعار حتى إن كان ذلك سيؤدي إلى تحسن اقتصادي، إلا في حالات محدودة ومدروسة يكون فيها التضخم في حدود معقولة ولا خوف من ارتفاعه قليلا.
العرف الاقتصادي السائد الآن هو أن منحنى فيليبس صحيح على المدى القصير فقط، وأنه يتأثر بالتضخم المستقبلي المتوقع وليس التضخم الحالي ويتأثر كذلك بالصدمات التي تصيب جانب العرض. إضافة إلى ذلك هناك حالات اقتصادية شهدت فيها بعض الدول حالة عكسية لأعوام عديدة، بحيث كان هناك انخفاض في مستوى البطالة وانخفاض في مستوى التضخم في الوقت نفسه.

الحلول الاقتصادية لتجاوز الركود التضخمي

لا يوجد علاج مضمون لحل مشكلتين في الوقت نفسه، لذا عادة يتم أخذ مسألة تضخم الأسعار بجدية أكبر، فيتم رفع معدلات الفائدة بحذر، مع اتخاذ إجراءات مالية أخرى لمنع تدهور الوضع الاقتصادي، تشمل سياسات مالية تحفيزية وتخفيف الضرائب وتحسين بيئة العمل وغير ذلك بحيث تزيد الإنتاجية ويتحسن أداء سلاسل التوريد، وبالتالي يؤدي ذلك إلى خفض معدلات البطالة وتحسن النشاط الاقتصادي دون تأثيرات حادة في مستويات الأسعار. وبالفعل بدأت البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة لسحب النقود من الأسواق لدرجة أن الولايات المتحدة وهي التي تمثل ربع اقتصاد العالم رفعت الفائدة لأكثر من مرة خلال أشهر قليلة بمعدلات غير مسبوقة، وتبعتها دول كثيرة على المنوال نفسه.

بدائل الاستثمار لمواجهة الركود التضخمي

في حال تراجع النمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة فإن ذلك يؤثر سلبا في كثير من قطاعات الأسهم، بالذات أسهم التكنولوجيا وأسهم السلع الكمالية وأسهم السيارات وأسهم جميع الشركات التي تعتمد في مبيعاتها على الدخل الفائض لدى المستهلكين. وإذا كان تراجع النمو الاقتصادي مصحوبا بارتفاعات في مستويات التضخم وبالتالي ارتفاعات في معدلات الفائدة، فإن القطاع العقاري كذلك يتأثر بسبب إحجام الناس عن الشراء بسبب ارتفاع معدلات القروض العقارية. كما أن ارتفاع معدلات الفائدة يؤثر سلبا في أسعار السندات، فلا تصبح هي الأخرى وسائل مناسبة للاستثمار.
التفاعل القوي للسندات مع التضخم سببه أن التضخم يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي تصبح السندات الحالية أقل جاذبية من السندات التي ستصدر لاحقا، فتكون هناك ضغوط بيع على السندات، فتنخفض أسعارها وترتفع عوائدها، وتستمر غير مناسبة للاستثمار إلى أن تصل أسعار الفائدة إلى مستويات عالية يصبح شراء السندات مغريا بسبب ارتفاع العائد المنافس لبقية الوسائل ذات المخاطرة العالية. حتى الآن لا تزال عوائد السندات متدنية على الرغم من الارتفاع النسبي خلال الأشهر الماضية، لكن تبقى ضعيفة أمام نسب التضخم العالية.

الذهب والفضة وسائل تقليدية ضد التضخم

يعد الاستثمار في الذهب الملاذ المعروف وشبه المؤكد لمكافحة التضخم والوسيلة الأنسب للهرب من العملات الورقية إلى صلابة الأصول الملموسة، كون العملات الورقية تتآكل قيمها الحقيقية نتيجة ارتفاع سيولة العملات الورقية، كما حدث منذ أكثر من عشرة أعوام في الولايات المتحدة، حيث تضخمت أصول مجلس الاحتياطي الفيدرالي بسبب الطباعة الشرسة للدولار. لذا فالذهب، وإلى حد كبير الفضة وغيرها من المعادن الثمينة، يعد السلاح المناسب ضد تضخم الأسعار الناتج عن التراخي في السياسة النقدية، وهو الأمر الحاصل حاليا، مع ملاحظة أن الذهب ليس بالضرورة الوسيلة المناسبة ضد التضخم الناتج عن النمو الاقتصادي القوي.
هناك عدة طرق للاستثمار في الذهب، منها شراء أسهم شركات تعمل في اكتشاف الذهب والتعدين، أو شراء صناديق متداولة خاصة بالذهب، مثل صندوق بنك البلاد للذهب في المملكة، أو صندوق GLD العالمي، الذي يدير أصولا تتجاوز قيمتها حاليا 63 مليار دولار. كما يمكن للملم بالأسواق المستقبلية شراء عقود مباشرة على الذهب.

الأسهم

على الرغم من أن ارتفاع التضخم يعني ارتفاع قيمة إيرادات الشركات بشكل أكبر من ارتفاع النفقات التشغيلية والأجور، إلا أن كميات المبيعات تتناقص بشكل كبير فيؤثر ذلك في ربحية الشركات. هذا يعني أن نمو إيراد الشركة بنسبة 10 في المائة لا تقابله زيادة في المصروفات بقيمة 10 في المائة بل أقل، لوجود عوامل ثابتة أثر فيها التضخم لمصلحة الشركة. كما أن الشركات التي لديها وجود في الأسواق الخارجية سواء عبر التصدير أو سلاسل فعلية في الخارج، قد ينخفض الأثر السلبي للتضخم في أدائها، بسبب اختلاف الأداء الاقتصادي بين دولة وأخرى. على سبيل المثال قد تنتج شركة سلعة في الخارج في دولة لديها وفرة في الطاقة وتعيد تصديرها إلى دولة لديها أسعار طاقة مرتفعة، وبذلك لا يحقق ذلك ميزة تنافسية فحسب عن الشركات التي تنتج السلعة نفسها محليا، بل إن ذلك يحقق ربحا إضافيا بسبب انخفاض التكاليف مقارنة بالتكاليف الداخلية.
لذلك قد تكون الأسهم عرضة للتقلبات الاقتصادية السريعة بشكل سيئ، إلا أن بعض الأسهم على المدى المتوسط تعوض هذه التقلبات إضافة إلى معدل ربح جيد، وذلك ما رأيناه خلال فترة الركود الاقتصادي ما بين فبراير إلى أبريل 2020، حيث تراجعت الأسهم بنسبة 1.4 في المائة إلا أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أغلق بنهاية العام على نمو بنسبة 16 في المائة. وكذلك في 2008 انخفضت الأسهم بنسبة 40 في المائة لكنها انتعشت بنسبة 23 في المائة خلال 2009، واستمرت في الصعود فيما بعد ذلك.

شركة هيرشي للشوكولا والحلويات

تعد شركة هيرشي من الأسهم الدفاعية التي أثبتت وجودها وصلابتها على مر الزمن، والسبب أن المستهلكين يتناولون منتجاتها في كل مكان حول العالم دون أي تأثيرات ملحوظة بالتقلبات الاقتصادية على مستوى الأفراد. يعمل لدى الشركة أكثر من 16 ألف موظف ومنتجاتها ليست فقط في حلويات الشوكولا، بل تشمل منتجات كثيرة مثل المنكهات والعصائر المركزة والوجبات الخفيفة المغلفة والذرة وأنواع كثيرة من العلكة والموالح وغيرها.
تنمو مبيعات الشركة بنسبة 10 في المائة 2021 بأرباح تجاوزت مليارا ونصف مليار دولار لآخر 12 شهرا، وتوزع الشركة أرباحا سنوية للسهم الواحد بمقدار 3.60 دولار.

صندوق متداول يختص بشركات النفع العام

يلجأ كثير من المستثمرين إلى شركات النفع العام، مثل شركات الكهرباء والغاز والمياه، ذلك لكون هذه الشركات تقدم خدمات لا غنى للناس عنها بغض النظر عن الأحوال الاقتصادية، إلى جانب كون معظم هذه الشركات ذات ربحية عالية وتقوم بتوزيع أرباح فصلية على المساهمين. لذا تحرص المحافظ الاستثمارية الكبرى على تنويع استثماراتها بتخصيص جزء منها في هذه الشركات من أجل تحقيق دخل نقدي دوري، وللاستفادة من محافظة هذه الشركات على أسعارها في أوقات الركود الاقتصادي.
إحدى أهم وسائل الاستفادة من شركات النفع العام تتم من خلال صندوق XLU المتداول، الذي لديه أصول بأكثر من 16 مليار دولار ويتم تداول نحو 15 مليون سهم منه كمتوسط يومي، ويتمتع بتكلفة إدارية متدنية جدا، فقط عشرة دولارات من كل مبلغ عشرة آلاف دولار استثمار.

العقارات

للعقارات أداء آمن استثماريا في ظل الظروف المتقلبة، فغالبا تواجه العقارات حالة من الثبات السعري، على الأقل إلى أن تتضح معالم الركود الاقتصادي ومدته المتوقعة، ولا يحدث غالبا تراجع حاد في الأسعار، حيث جرى العرف على أن العقار الملاذ الآمن استثماريا في ظل التضخم، ويحصل أن تشهد أسعار العقارات ارتفاعات كبيرة تتخطى بكثير معدلات التضخم، ففي فترة الركود التضخمي في سبعينيات القرن الماضي ارتفعت أسعار العقارات ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في الستينيات.
ما يميز الاستثمار في الأراضي والعقارات القدرة على الحصول على عائد ملائم للأسعار التضخمية دون الاستغناء عن الأصل أو المخاطرة به، على سبيل المثال الأسهم التي تحقق أرباحا دورية قد يأتي وقت وتهبط أسعارها، ما يعني فقدانا جزئيا في قيمة الأصل المالي، على العكس من ذلك في العقارات، فمن الممكن تحقيق ربح دوري عند تأجيرها مع المحافظة على أسعارها. وتنوعت طرق الاستثمار في العقارات لتشمل شركات تطوير عقاري وصناديق متداولة مختصة بجوانب دقيقة في مجال الممتلكات العقارية في أي مكان حول العالم.

الخاتمة

تناولنا في هذا التقرير الركود التضخمي ومسبباته، والطرق التي أدت إليه، وكيفية علاجها على النحو الأمثل، وعددا من الطرق الاستثمارية الآمنة، التي قد يلجأ إليها الأفراد خلال الفترات الحالية والمقبلة.

الأكثر قراءة