Author

قراءة استراتيجية لجولة ولي العهد

|
تتم عادة قراءة نتائج الزيارات التي يقوم بها زعماء الدول فيما بينهم في نطاق التركيز على الحاضر أو المستقبل القريب، وبالذات في المجال الاقتصادي، لكن جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي قام بها الأسبوع الماضي لكل من مصر والأردن وتركيا يجب أن تقرأ باستحضار التاريخ وبشكل مختلف، فهي ليست جولة اقتصادية بحتة على الرغم من أهمية الجانب الاقتصادي فيها، حيث وقعت الاتفاقيات ووضعت المليارات من الدولارات برسم الاستثمار المتبادل بين هذه الدول ودولة قوية ومؤثرة ولديها خبرات منوعة في شتى أنواع النشاط التجاري والاستثمار، خاصة وقد أصبحت من أهم دول منظومة العشرين العالمية التي تفتح لها الأبواب ويرحب بمشاركتها في المشاريع والنشاطات إقليميا وعالميا.
أقول على الرغم من أهمية الجانب الاقتصادي الذي غطيت تفاصيله ولا داعي للتكرار في ذلك، فإن الجانب الاستراتيجي والسياسي مهم جدا، فالسعودية بمركزها وثقلها الإقليمي والعالمي أصبحت مرجعا في حل أزمات المنطقة التي تزداد بفعل التحديات، خاصة أن السعودية وولي العهد بالذات لديه نظرة استراتيجية لاستثمار جميع نقاط القوة لدول المنطقة لإبعادها عن مزيد من المزالق التي وقع فيها بعض الدول. وللحرص على شعوب هذه الدول، أشارت البيانات الصادرة عن زيارة ولي العهد لمصر والأردن، إلى الأوضاع في سورية والسودان ولبنان والعراق واليمن كدول تؤمل معالجة أوضاعها لمصلحة شعوبها. وهذا المنهج، أي الاهتمام بالشعوب حتى لو كان هناك اختلاف مع الحكومات، سارت عليه بلادنا منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز، حيث كانت السعودية وما زالت ملاذا لكل مواطن عربي يبحث عن الأمن والاستقرار والحياة الكريمة.
ومن صفات المواقف السعودية مع الدول والمنظمات العالمية، التعامل بوضوح وندية لا تتوافر لكثير من الدول، وهذه المواقف يجب أن نعتز بها كمواطنين في هذه البلاد، وأن نذكرها للأجيال ونتذكرها دائما. ولعل من المواقف المشرفة ما أعلنته المملكة أمام الأمم المتحدة عند تأسيسها في 1945، حيث انتقدت صراحة إعطاء حق النقض «الفيتو» الذي منحه ميثاق هذه المنظمة للدول الكبرى، ما يتعارض مع أهداف المنظمة، وهذا الرأي يمثل موقفا في المنظمة ما زالت المملكة حريصة عليه. ومثل هذا الموقف إصرار السعودية على أن يكون دستورها القرآن وتعده فوق جميع الأنظمة الوضعية، وانطلاقا من القيم والمبادئ الإسلامية تعارض بلادنا، وبشدة، المثلية والإلحاد وجميع أنواع الشذوذ التي يروج لها حاليا، وترفع صوتها بذلك في المحافل الدولية.
وأخيرا: عودة إلى جولة ولي العهد التي تمت بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أقول إن نتائج هذه الجولة ستظهر بشكل واضح وجلي تنسيقا في المواقف بين دول المنطقة بشكل عام. وسيرى المواطن، ليس فقط في الدول التي شملتها الجولة، نتائج النظرة العميقة للمستقبل لتشمل إيجابياتها كل الدول التي تسمح ظروفها بالدخول في سباق العمل الجاد لتحقيق تنمية دائمة تقوم على أهداف محددة وقابلة للقياس بين الحين والآخر حتى تتحقق نظرة ولي العهد، التي أعلنها قبل عامين من أن الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة، وهي النظرة التي نتأمل أن يعي قادة دول المنطقة أهميتها وجدوى العمل لتحقيقها بالتسامي على الخلافات وتوثيق الاستقرار وتوفير البيئة المشجعة للعيش الكريم لمواطنيهم، وهو الهدف الذي يسعى إليه القادة المخلصون.
إنشرها