Author

أنظمة الغذاء وهشاشة الحلول

|

مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتفاقم أزمة القمح عالميا، يتوقع أن تؤدي تداعيات الحرب إلى أزمة غذاء قاسية، نتيجة الشكوك في قدرة المزارعين الأوكرانيين على زراعة محصول القمح، إلى جانب الانخفاض الحاد في الصادرات الروسية، كما يتوقع أن تطرح سيناريوهات مختلفة لمواجهة هذه الأزمة.
وتسبب الصراع في أوكرانيا - الذي لا يعرف مدى نهايته - في نقص إمدادات الغذاء العالمية، ذلك أن روسيا وأوكرانيا معا تزودان العالم بما يقرب من ثلث إمدادات القمح، كما أن روسيا تعد المصدر الرئيس للأسمدة، بينما تعد أوكرانيا المورد الأساسي للذرة وزيت دوار الشمس.
وحول تأثيرات الحرب في إنتاج الحبوب في أوكرانيا، نشرت "الاقتصادية" إحصائية تشير إلى تراجع تصدير القمح بأكثر من 33 في المائة، والذرة بأكثر من 18 في المائة، ودوار الشمس بأكثر من 32 في المائة، وفي الوقت نفسه حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، من أن تراجع الصادرات من هذه الأغذية الرئيسة والسلع الغذائية الأخرى من أوكرانيا وروسيا سيدفع ما بين 11 مليونا و19 مليون شخص إلى براثن الجوع، ذلك بخلاف ما ستعانيه دول كثيرة حول العالم من ارتفاع أسعار الغذاء بشكل غير مسبوق.
ومن تداعيات هذه الحرب، فقد فرض حصار على الموانئ المطلة على البحر الأسود، الذي يعد الممر البحري الرئيس لعبور الصادرات الأوكرانية للعالم، وبينما ترى ألمانيا أن موسكو بهذا الحصار تستخدم المجاعة عمدا كسلاح حرب، محذرة من "تسونامي" مجاعة حقيقي من المحتمل أن يطول بعض الدول، تنفي روسيا محاصرة ممر سفن الشحن، وتنحي باللائمة على العقوبات التي تفرضها واشنطن وبروكسل في نقص الغذاء، وتتهم الغرب بشن حملة دعائية ضد موسكو. وفي خضم هذه الاتهامات المتبادلة ترى بريطانيا ضرورة القيام بتحرك عاجل خلال الشهر المقبل، قبل موسم الحصاد التالي، للحفاظ على استمرار الإمدادات.
الوضع الحالي يوصف بأنه مقلق وعواقبه خطيرة، فآلة الحرب ما زالت تحصد الأرواح والمحاصيل في أوكرانيا، والإمدادات العالمية تتناقص مع دخول دول أخرى على المسار، حيث أوقفت الهند وإندونيسيا التصدير، للحفاظ على الأسعار المحلية، هذا في وقت لم يتوقف فيه الصراع المسلح بين العديد من أطراف النزاع في مناطق مختلفة من العالم كانت تعاني أزمات غذائية حتى قبل اندلاع النزاع في أوكرانيا، كذلك لم تكن سلاسل الإمداد الأخرى في أحسن أحوالها وبقيت أسعار الشحن مرتفعة وانعزلت العديد من الموانئ العالمية بسبب الإجراءات الوقائية ضد انتشار كورونا.
كل هذه العوامل تتراكم معا لتضغط على أسعار الغذاء والإمدادات بشكل لم يسبق له مثيل، وقد أصدرت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" وبرنامج الأغذية العالمي تحذيرا شديدا بتوقع حدوث عديد من الأزمات الغذائية التي تلوح في الأفق، ويؤججها النزاع والصدمات المناخية وتداعيات جائحة فيروس كورونا وأعباء الدين العام الهائلة، وتفاقمت هذه الأزمات بسبب الآثار المتتالية للحرب في أوكرانيا التي أدت إلى الارتفاع السريع في أسعار الأغذية والوقود في عديد من الدول في جميع أنحاء العالم.
ووقعت هذه الصدمات في سياقات تتميز في الأصل بتهميش القطاع الريفي وهشاشة أنظمة الأغذية الزراعية، حالة عالمية وصفها برنامج الأغذية العالمي بعاصفة مكتملة الأركان، لن يقتصر ضررها على أفقر الفئات فحسب، بل سيتسع نطاق ضررها ليصيب ملايين الأسر التي لا تزال حتى الآن تكافح للبقاء على قيد الحياة، فالظروف الآن أسوأ بكثير مما كانت عليه خلال أزمة أسعار الغذاء بين 2007 و2008، عندما هزت الاضطرابات السياسية وأعمال الشغب والاحتجاجات 48 دولة.
في ظروف مزعجة كهذه يسعى قادة 40 دولة في مؤتمر عقد في برلين الأسبوع الماضي إلى إيجاد حلول ملموسة لأزمة الغذاء التي تسببت فيها الحرب في أوكرانيا، وهناك حلول عملية مطروحة للنقاش مثل تسريع الصادرات الغذائية من أوكرانيا عبر طرق بديلة من البحر الأسود، لكن مرة أخرى تبدو الأمور غير مبشرة، فالتحول إلى طرق بديلة لإخراج الحبوب من أوكرانيا يتطلب أن تسمح روسيا بذلك، وهناك مخططات لنقل الحبوب عبر بولندا عبر القطارات، لكن لم يفعلها أحد من قبل، فالأمر يتطلب كثيرا من الوقت، الذي قد لا يتوافر للعالم اليوم، وتحاول تركيا السماح باستئناف إيصال الحبوب عبر البحر الأسود عبر محادثات رباعية تعقد في تركيا بمشاركة روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة في الأسابيع المقبلة، لكن الآمال المعقودة على هذه المحادثات ضعيفة.
من جانب آخر، تذهب بريطانيا إلى الحديث عن جهود دولية لإزالة الألغام قبالة الساحل الجنوبي لأوكرانيا، وتقديم تأمين على السفن لنقل ملايين الأطنان من الحبوب العالقة في البلاد، لكن هذا يعيد الجميع إلى حافة الحرب العالمية، ويعيد ذكريات مؤلمة.
وباستعراض هذه الرؤي المطروحة لحل مشكلة الإمدادات من أوكرانيا، فإنه من الواضح عدم وجود حل قريب، وأن الصراع هو الحقيقة الثابتة الآن، كما أن العالم لم يناقش مشكلة توقف الصادرات من جهات عالمية أخرى، ولا مشكلة المناخ، ولا قضايا النزاعات الإقليمية، والجميع غارق في تبادل الاتهامات، والبحث عن حلول تؤجج الصراع هناك، بدلا من حله نهائيا. وفي حالة مثل هذه فإن المعول عليه الآن هو الدعم فقط.

إنشرها