Author

مناقشة التعديلات على أنظمة التقاعد وتبادل المنافع

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
قبل نحو أسبوعين، صدر قرار مجلس الوزراء القاضي بتعديل نظام التقاعد المدني ونظام التأمينات الاجتماعية ونظام تبادل المنافع بين نظامي التقاعد المدني والعسكري ونظام التأمينات الاجتماعية، وبعد ذلك نشرت جريدة أم القرى نص التعديلات، وتبعتها نقاشات واسعة معظمها يشير إلى صعوبة فهم التعديلات وأثرها، ولماذا الآن؟ يعود سبب صعوبة الفهم إلى أن التعديلات جاءت على ثلاثة أنظمة معا رغم أنه لا علاقة مباشرة بين هذه التعليلات، كما أن هناك قلقا واسعا بشأن نظامي التقاعد والتأمينات، والسبب في هذا القلق يعود إلى أمرين: الأول، أن جيلا كاملا من الموظفين "في القطاعين الخاص والعام" اتخذوا قرارات مصيرية وذات أثر بالغ في مستقبلهم بناء على النظام الحالي ومعطياته، فهناك من اتخذ قرارات شراء أصول معمرة بناء على ذلك، وهناك من بدأ أعمالا تجارية - من منسوبي القطاع الخاص - على أساس التقاعد، وغير ذلك من قرارات مصيرية، ولذلك فإن أي ذكر لتعديل في هذه الأنظمة يقابله قلق واسع النطاق. الأمر الآخر، صعوبة المصطلحات التي تستخدمها هذه الأنظمة، والسبب أنها أنظمة شمولية، فليست مخصصة لفئة معينة، ولهذا تأتي مفاهيمها مجردة. هذا المقال لشرح التعديلات الأخيرة، وتوضيح بعض القضايا الأخرى، مثل رفع سن التقاعد، أو تحديد نسبة الاستحقاق عند التقاعد المبكر، وهي شائعات انتشرت أخيرا مع الأسف.
لفهم التعديلات لا بد من مقارنة النظام قبل التعديل بالنظام بعد التعديل، ففي نظام التقاعد - المدني والعسكري - كانت المادة "23" تتضمن أنه إذا انتهت خدمة الموظف، لا يستحق معاشا، إنما يستحق مكافأة 14 في المائة، أما إذا كان ترك الخدمة بسبب الاستقالة أو الفصل تأديبيا فتحسب المكافأة 10 في المائة إذا لم تبلغ مدة خدمته عشرة أعوام، و11 في المائة إذا بلغت مدة خدمته عشرة أعوام، ولم تصل إلى 20 عاما، والموظفة إذا استقالت بسبب الزواج لها مكافأة 11 في المائة مهما تكن هذه المدة. النص الجديد ألغى نسبة 11 في المائة، والمرأة المتزوجة، وجاء بهذا التعديل "إذا انتهت خدمة الموظف ولم تبلغ مدته ما يعطيه الحق في المعاش، فلا يستحق معاشا، بل مكافأة تحسب على أساس نسبة 14 في المائة من المرتب السنوي عن كل عام من أعوام خدمته، أما إذا كان انتهاء الخدمة بسبب الاستقالة أو الفصل لسبب تأديبي، فتحسب على أساس نسبة 10 في المائة"، فالتعديل أكثر وضوحا بشأن عدم استحقاق المعاش، وكذلك ألغى نسبة 10 في المائة لمن هو دون عشرة أعوام، والنص الخاص بالمتزوجة وهو نص معيب سابقا، حيث كان يحرمها من 14 في المائة دون سبب واضح. فهذه التعديلات لمصلحة المجتمع والموظفين بلا شك. أضاف التعديل فقرات مهمة جدا، وهي تتضمن دفع معاش تقاعد لمن بلغت مدة خدمته عشرة أعوام وبلغ الـ60، فإذا لم تكن خدمته عشرة أعوام، فإنه يحق له دفع الفرق بما يكمل عشرة أعوام، وهذا تعديل يضمن حياة كريمة لمن بلغ الـ60.
في نظام التأمينات الاجتماعية كانت المادة "41" لا يوجد بها تعديل جوهري يمس النسب أو المكافأة، لكن ترك تحديد الحالات التي تستحق المكافأة للائحة. وجوهر التعديل هنا يمس المرأة العاملة التي كان النظام ينص على أنها تأخذ المكافأة - تعويض الدفعة الواحدة - في نهاية خدمتها بغض النظر عن أعوام الخدمة أو شرط بلوغ الـ60. لكن ثبت بالتجربة أن هذا يضر بها، فكثير من الموظفات يتعاقدن للعمل وبعد عدة أعوام يستقلن ويأخذن تعويض الدفعة الواحدة، ما ينهي علاقتهن بالتأمينات، ثم يعدن للعمل ويبدأن من جديد، فإذا وصلت إحداهن إلى الـ60 لم يكن معها تقاعد، لذلك يحاول التعديل معالجة هذه القضايا، خاصة بعد تزايد أعداد الموظفات في المجتمع، وهذا يحمي حقوقهن.
نظام تبادل المنافع ظهر لمعالجة الانتقال بين أنظمة التقاعد، حيث يستطيع الموظف ضم خدماته، وكان النظام ينص في المادة "3" على ألا تكون مدد الاشتراك المضمومة مددا مكملة لاستحقاق معاش التقاعد قبل بلوغ سن الـ60، إنما يجب على المشترك إكمال المدة التي يتطلبها هذا النظام. هنا تظهر مشكلة التقاعد المبكر، ولا مشكلة إذا كان هذا الانتقال باختيار الموظف، لكن إذا كان مفروضا عليه بسبب التحول الذي يتم حاليا في جهات مختلفة، من بينها الجمارك والزكاة والقطاع الصحي القادم، وغيرها، هنا يقع ضرر على المنتقل للتأمينات، لهذا جاء النص المعدل بالنص على استثناء الموظف الذي تم ضم خدماته بسبب التحول أو التخصيص. لقد وقع كثير من الموظفين في حيرة كبيرة قبل هذا التعديل، حيث لم يضمن لهم النظام التقاعد المبكر، وقد بدأ كثيرون بالتفكير في ترك الخدمة قبل التحول، ضمانا لحقهم في التقاعد المبكر، وبعض آخر لم يكن قادرا بسبب عدم استكمال المدة النظامية. لكن بعد هذه التعديلات أصبح الجميع مطمئنين حاليا لوضعهم ويمكنهم رسم مستقبلهم بطريقة واضحة، فهذه التعديلات في جلها لمصلحة المجتمع، والموظفين، وضمان للحقوق، وأن يحصل الموظف على تقاعد إذا بلغ الـ60، حتى لو كانت مدة خدمته خمسة أعوام فقط.
إنشرها