Author

العقد الضائع وتمويل مواجهة الجائحة «1 من 3»

|
عندما تخلى نظام الفصل العنصري عن السلطة عقب أول انتخابات ديمقراطية في جنوب إفريقيا عام 1994، كان اقتصاد البلاد في حالة شديدة من الفوضى وعدم المساواة. وكانت تكاليف خدمة الدين كنسبة من إجمالي الناتج المحلي تقف حجر عثرة أمامه. وكان لدي باع طويل في مكافحة الفصل العنصري، وحين تم تعييني في منصب وزير المالية اتخذت قرارا غاية في الصعوبة، حيث قمت بتطوير عملية إعداد الموازنة، ووضع هدف صارم لتخفيض العجز، وبحلول عام 2006، كان الاقتصاد آخذا في النمو بأقصى سرعاته منذ ما يربو على عقدين، وكان عجز الموازنة قريبا من الصفر، وهما نتيجتان لم ير إمكان تحققهما إلا قليلون.
إن أحد أركان القيادة هو أنك يجب ألا تخشى أن تتبنى موقفا ما حيال بعض القضايا إذا كنت تقف على أرض صلبة. واسترشدت بهذا الموقف طوال حياتي العملية. وفي انتقاد صریح لما أطلق عليه النظام القديم، كما وضعت مسألة أصوات اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية وتمثيلها بشكل مباشر ضمن جدول الأعمال الدولي، بصفتي رئيس لجنة التنمية في البنك الدولي ورئيس اللجنة المعنية بإصلاح نظام الحوكمة في صندوق النقد الدولي. وما زالت أنادي وأدعو ببيئة تقوم على تكافؤ الفرص، کمبعوث خاص للاتحاد الإفريقي معني بتصدي إفريقيا لكوفيد - 19، بعد أن عملت وزیرا عضوا في مجلس الوزراء بقيادة أول أربعة رؤساء لجنوب إفريقيا الديمقراطية.
وعندما كنت أشغل منصب وزير المالية طبقت إصلاحات صعبة في الموازنة وأشرفت في نهاية المطاف على أطول مرحلة من مراحل النمو الاقتصادي في جنوب إفريقيا، ونصحت الدول التي تواجه اختیارات صعبة بهذا الطريقة، لقد نص الدستور على المساءلة الجماعية والفردية لأعضاء مجلس الوزراء أمام مجلس النواب. والموازنة تمثل تلك المسؤولية الجماعية، لذلك كانت مهمتي وزيرا للمالية متمثلة في إقناع مجلس الوزراء بحاجتنا إلى تخفيض نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، وأسسنا بعض اللجان الفنية في الخزانة، ودعونا الوزارات الأخرى إلى توضيح احتياجاتها من النفقات، ووضعنا إطارا للإنفاق متوسط الأجل لتحسين عملية التخطيط وقبل يوم عرض الموازنة بعدة أشهر، كنا نضع بيانا عن سياسة الموازنة على الطاولة أمام البرلمان كي نحدد حجم اعتمادات الإنفاق الذي يتماشى مع أولويات الحكومة. وكان النظام مصمما إلى حد ما. ليجبرنا على العيش على قدر سعتنا، وكان هذا هو مصدر قوتنا. وكنا نستطيع أن نتفق على طريقة تسيير الأمور نظرا لرغبة الناس في القيام بدور في إرساء أركان الديمقراطية.
لكن هذا الموقف لم يعد موجودا. فالعقد الذي مضى تحت رئاسة جاكوب زوما، لم يكن مفقودا وحسب لأن كل شيء ظل ساكنا، بل تدهورت حالتنا. فكانت الخزانة تعد قوية للغاية، فحاول الرئيس أن يقسمها. وأدى إضعافها إلى نتائج نعانيها نحن اليوم. فقد ضعفت القدرة على تحصيل الضرائب، ودمرت كفاءتنا الكلية على تخصيص الموارد بقدر ما تفشى الفساد، وربما كان الحزب نفسه هو الذي يمسك بزمام السلطة. لكنه كان بلدا مختلفا تماما... يتبع.
إنشرها