Author

«جلطات» تهدد شرايين الطاقة الأوروبية

|
مختص في شؤون الطاقة
إمدادات الطاقة وسلامتها وديمومتها من أهم القضايا التي تشغل العالم بأسره، وتؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة في جميع الدول، منتجة كانت أم مستهلكة، وإن كان الأثر متفاوتا، حيث إن لكل دولة ظروفها الاقتصادية والسياسية الخاصة بها، وبالتالي يختلف تعاطي هذه الدول مع التغيرات المتسارعة فيما يخص الحرب الروسية - الأوكرانية وانعكاسها على قطاع الطاقة العالمي عموما، وقطاع الطاقة الأوروبي خصوصا. ذكرت سابقا أن العلاقة بين روسيا وأوروبا فيما يخص إمدادات الطاقة ليست علاقة صفرية، فإما أن تتدفق الطاقة عبر الشرايين الروسية إلى أوروبا بطاقة كاملة، أو أن تتوقف تماما كما ينادي بعض الدول الأوروبية بذلك.
العلاقة معقدة جدا أكثر مما يتوقع البعض، وأعمق من أن يتم تسطيحها من الجانبين، فالدول الأوروبية الأقل اعتمادا على شرايين الطاقة الروسية ليست كالدول التي تعتمد عليها بصورة كبيرة، فإن كانت الأولى تواجه تحديا كبيرا، فالثانية أقل ما يقال إنها تواجه أزمة حقيقية. عند الحديث عن أمن الطاقة العالمي ليس من الموضوعية في شيء تجاوز روسيا كونها ثاني منتج للنفط الخام في العالم بنحو 11 مليون برميل يوميا، وكونها أكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238.1 مليار متر مكعب. 60 في المائة من صادرات النفط الروسية كانت حصة الدول الأوروبية، وحصة ألمانيا من النفط الروسي تعادل 30 في المائة من استهلاكها، ويشكل الغاز الروسي 32 في المائة من الاستهلاك الألماني. هولندا تستورد ما يقارب 22 في المائة من احتياجها، وبولندا يشكل النفط الروسي نحو 58 في المائة من احتياجها.
فنلندا يشكل النفط الروسي أكثر من 80 في المائة من استهلاكها، وهذه نسبة كبيرة توضح مدى الاعتماد شبه المطلق لفنلندا على شرايين الطاقة الروسية. من الدول الأقل اعتمادا على روافد الطاقة الروسية هي بريطانيا التي تعتمد على النفط الروسي بنسبة تقارب 11 في المائة من احتياجها فقط! الغاز الروسي بالغ الأهمية لأوروبا، حيث إن إمدادات الغاز الروسية عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" وخط أنابيب "يامال" تشكل 40 في المائة من استهلاك أوروبا للغاز. في إيطاليا وهولندا يشكل الغاز الروسي نحو 12 في المائة من استهلاكهما، بينما لا يشكل الغاز الروسي إلا نحو 5 في المائة فقط من حاجتهما.
في تصعيد لافت يجب الوقوف عنده، بدأت روسيا بقطع إمدادات الغاز لبعض الدول الأوروبية، فبعدما انخفضت إمدادات الغاز إلى فرنسا بنحو 60 في المائة خلال هذا العام، إلا أنها توقفت قبيل أيام تماما، وعلقت موسكو أن السبب تقني، والجدير بالذكر أن الغاز الروسي يشكل نحو 17 في المائة من الاستهلاك الفرنسي. كذلك انخفضت واردات كل من إيطاليا وسلوفاكيا من الغاز الروسي بأكثر من 50 في المائة، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا إلى مستويات جديدة عند دخول فصل الشتاء. في رأيي أن كل تصعيد من الجانب الأوروبي سيقابله تصلب في شرايين الطاقة الروسية، ومقدار التصلب تحدده العقوبات الأوروبية، لكن لا أتوقع أن تصل الأمور في المدى القريب إلى تصلب كامل في هذه الشرايين، حيث إن هذا السيناريو قد يسبب جلطة اقتصادية لبعض دول أوروبا، ولن تكون روسيا في منأى عن تبعاته وآثاره الاقتصادية.
إنشرها