ذاكرة حمد الجاسر

علامة الجزيرة العربية حمد الجاسر إحدى القمم الفكرية والمعرفية في المملكة. ورغم مرور أعوام على رحيله "1910-2000" إلا أن المركز الثقافي الذي يحمل اسمه يبقى جسرا مضيئا من خلال نشاطه وإصداراته.
أتوقف اليوم عند مذكراته التي صدرت طبعتها الأولى في 2006 بعنوان "من سوانح الذكريات"، وهذه المذكرات بدأ الجاسر نشرها في "المجلة العربية" منذ العدد 101 الصادر في آذار (مارس) 1986.
الصدق الشديد والعفوية المدهشة التي اتسمت بها الذكريات تجعلها وثيقة مجتمعية مهمة. حيث تضمن السرد التلقائي مزيجا من الحكايات اليومية التي تراوح بين الألم والحزن والفرح. مع رصد أمين لمظاهر شظف الحياة التي واكبت فترة البناء منذ عهد المؤسس.
ولا تختلف حياة حمد الجاسر عن حياة جيل الرواد الذين صاغت تجاربهم الحياتية نماذج في العصامية وقوة التحمل والصبر. لكن الميزة المهمة تمثلت في توثيق تلك المراحل. وقد صاحب تجربة الجاسر تنقلات في مختلف أرجاء المملكة وخارجها تارة لأسباب عائلية، وأخرى بهدف التعليم إلى جانب العمل في القضاء والتعليم والإعلام وسواها.
وهذا الأمر أضفى على مذكراته مزيدا من الأهمية والثراء المعرفي. إذ يستعرض الجاسر الحياة الاجتماعية في قرى ومدن المملكة، كما يستحضر تفاصيل مكانية وزمنية تبدأ منذ سن الطفولة مرورا بالشباب والكهولة.
وأجزم أن الذكريات التي قدمها الجاسر تمثل مادة ثرية لمن يريدون صياغة مشاهد درامية موثقة. إذ إنه يصف كل شيء بما في ذلك الأطعمة والأغذية والملابس في مختلف مناطق المملكة كما يصف التنوع العمراني من منطقة لأخرى في المنازل والمساجد. ويسهب في الحديث عن مؤسسات التعليم والقضاء آنذاك وتطورها، وخطوات بناء الوزارات والمؤسسات الحكومية وانطلاقة مسيرة الابتعاث.
ويصاحب هذه الذكريات الغنية بالتفاصيل، رصد لجملة من الأسماء لبعض الأسر والأفراد بما في ذلك العلماء والقضاة والأكاديميون ورجال الدولة في تلك الفترات.
لا تكفي مساحة هذه الزاوية للاسترسال في الحديث عن هذا الكتاب المميز الذي أنصح الجميع بقراءته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي