Author

كلويفرت مثالا

|
بحكم طبيعة الحياة التي أوجدها الله للبشر كان لزاما أن يتعرض الإنسان للمحن في فترة من فترات حياته. ومن الطبيعي أن يضجر ويتضايق حين تصيبه هذه المحن والعاقل الحصيف هو من يتمكن أن يتجاوز ذلك بالصبر عليها من ناحية ومن ناحية أخرى إدراكه أنه لربما كان في باطن هذه المحنة منحة لم يكن يتوقعها أو يحلم بها. والشواهد لمن يستقرئ التاريخ في هذا كثيرة جدا. أصابت المحن الأنبياء والعلماء والمفكرين والمخترعين فضلا عن عامة الناس. أي باختصار لم يسلم منها أحد. الحق سبحانه يقرر، "إن مع العسر يسرا". ويقول سبحانه "فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا".
ولذا فإن من الحكمة عدم الجزع والتبرم من المحن التي قد تصيب الإنسان لأنه لا يعرف عواقب الأمور ولا يدرك ما تحمله هذه المحن من منح ونتائج إيجابية، ستظهر وتنكشف بمجرد انتهاء هذه المحنة. تقول العرب في أمثالها، "ما من محنة إلا وراءها منحة"، وتقول، "إن الهدايا في ثنايا البلايا".

يضيق صدري بغم عند حادثة ـ وربما خير لي في الغم أحيانا
رب يوم يكون الغم أوله ـ وعند آخره روح وريحانا
ما ضقت ذرعا بغم عند حادثة – إلا ولي فرج قد حل أو حانا

فالخير قد يكون كامنا في الشر كما أن بعض الشر قد يكون دواء لما هو أعظم منه شرا. كم من طالب لم يوفق في دراسته فيضيق صدره ويجتاحه الهم فيتجه مضطرا إلى العمل الحر، فإذا بالدنيا تأتيه صاغرة من كل جانب فيصبح من كبار رجال الأعمال. وكم من إنسان قد اختطفته الدنيا فتعلق بها غافلا عن آخرته فأصابه المرض فكان شبيها بكوابح المركبة ليجعله يعيد النظر في حساباته ويدرك خطورة ما كان عليه.
الفشل ليس نهاية العالم وعادة ما يكون النجاح في آخر خطوات الطريق المليء بالأشواك والعثرات. فان كلويفرت خرج من هولندا واشترى بكل ما يملك أرضا في جنوب إفريقيا ليزرعها فكانت النتيجة أن اتضح أنها أرض غير خصبة لا تصلح للزراعة، فكثرت فيها الأفاعي والعقارب وكاد اليأس أن يعصف به إلا أنه فكر في الاستفادة من هذه الهوام في إنتاج مضادات للسموم منها، ليصبح كلويفرت فيما بعد أكبر منتج للقاحات السموم في العالم.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها