Author

ارفق بنفسك

|
عجيب أمر الإنسان في هذه الدنيا وبالأخص في فترة شبابه، إذ إن طموحاته وآماله لا تقف عند حد، فكلما حصل على أمر قد وضعه هدفا سرعان ما يتجاوزه منطلقا نحو البحث عن هدف آخر، دون أن يعطي لروحه الفرصة لالتقاط الأنفاس والاستمتاع بما حصل عليه. فلا جسده ارتاح ولا عقله اطمأن ولا روحه سكنت.
إن الإنسان ليدرك حين يتقدم به السن صدق حديث من لا ينطق عن الهوى، "ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه". وفي الأثر، "إن القلوب إذا كلت عميت". إننا نقول للمندفع ارفق بنفسك فغايات الإنسان ليس لها حد ولن تنتهي إلا بالرضا والقناعة، فاستمتع بما لديك واعلم أن منتهى الشقاء أن تبيع يومك بغدك! نعم اعمل في الدنيا واكدح، لكن استمتع بيومك وبما تقوم به وبما لديك وثق بأنك إن لم تفعل هذا فلن تنتظرك الأيام ولا الليالي، وستجد نفسك في غمضة عين وقد غزاك المشيب ووهن منك العظم وحينها لن تنفع "يا ليت" ولا الآهات على ما مضى وفات.
يا سامر الليل مختليا بدمعته
وعينه حزنا بالسهد تكتحل
ارفق بنفسك لا تجرح تصبرها
لعل جرح النوى يوما سيندمل
وإذا كان الرفق بالنفس مطلوبا في أعلى درجات السمو الإنساني وهي درجة العبادة فما بالك بما دونها. فالرفق بالنفس مطلوب في الجانب المالي لأن ابن آدم لو أعطي واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا. وهو مطلوب أيضا في الجانب العاطفي، ولذا تقول العرب، "أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون عدوك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما". وهو مطلوب في جانب العمل فلا إفراط يضر بالجسم والعقل ولا تفريط يورث الكسل والفقر. وهكذا نجد أنه ينبغي الرفق بالنفس عند الأكل أو الشرب "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا". عض على يومك الذي تعيشه بالنواجذ واستمتع به فكم من شخص تحيط به أشجار السعادة، لكنه لا يحسن استغلالها منتظرا أن تثمر تلك الأشجار التي قد لا تثمر.
ارفق بنفسك لا تعتد على السأم
لعل في العمر تعويضا عن الألم
ألا ترى أنه لا يستحق هوى
ولا عتابا ولا الدعوات في الظلم.
إنشرها