تقارير و تحليلات

ازدهار الثروات ينعش سوق الطيران الخاص .. تنافس محموم في مشهد معقد

ازدهار الثروات ينعش سوق الطيران الخاص ..  تنافس محموم في مشهد معقد

ازدهار الثروات ينعش سوق الطيران الخاص ..  تنافس محموم في مشهد معقد

لا شك أن السفر على متن طائرة خاصة سواء كنت مالكا لها أو مسافرا على متنها، له طعم ومذاق مميز، وتحديدا عندما تكون تلك رحلتك الأولى.
صحيح أيضا أن رؤية شخص ما يسافر على متن طائرة خاصة عادة ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأننا أمام شيء مخصص فقط للمشاهير أو للأشخاص شديدي الثراء، مع هذا يبدو أن الصورة تختلف الآن عما كانت عليه قبل أعوام، فقد توسعت صناعة الطيران الخاص، وباتت اليوم متاحة لعدد أكبر من الأشخاص، لا يزالون بالطبع من فئة الأثرياء، ولكن ليس بالضرورة فاحشي الثراء كما كان الأمر في الماضي على الأقل.
دائما ما كانت الرحلات الجوية الخاصة تقدم باعتبارها بديلا للذين يفضلون المزيد من الخصوصية والرفاهية والراحة في آن واحد، وبالطبع يمتلكون القدرة على دفع ثمن هذا كله، لكن خلال فترة تفشي وباء كورونا، كان السفر على متن رحلة طيران تجاري معتادة أمرا غير متاح أو مزعجا أكثر من أي وقت مضى، وبالطبع أقل أمانا صحيا على الأقل بالنسبة للكثيرين، كان هذا إلى حد كبير المدخل الرئيس لإقبالهم على التحول من درجة رجال الأعمال في الطيران التجاري إلى شراء أو استئجار طائرات خاصة للسفر، والنتيجة انتعاش واضح في صناعة الطيران الخاص سواء من حيث الزيادة في عدد الرحلات أو ساعات الطيران وعدد الركاب وأيضا في زيادة الطلب العالمي على شراء الطائرات الخاصة.
وهنا قال لـ"الاقتصادية" الطيار كاميرون كريس، "طبيعة الطيران الخاص أنه عالم فاخر وحصري، حيث يمكنك تجنب المطارات الكبيرة والركاب الآخرين، وهذا الأمر كان شديد الأهمية خلال فترة جائحة كورونا، كما أنه يختصر الوقت، وهذا الأمر مهم أيضا بالنسبة لمستويات معينة من رجال الأعمال، إذ إنه يؤدي إلى توفير كبير في الوقت للمسافر يصل في المتوسط إلى 127 دقيقة، فالطائرات الخاصة عند استخدامها بشكل صحيح تصبح أداة لتحسين الإنتاجية".
وأضاف "إنها آلة زمن إذا صح التعبير، إذ يمكنك أن تحلق في الهواء بعد 15 دقيقة من وصولك إلى المطار، وهذه ميزة كبرى تتعلق بالوقت مقارنة بأوقات الانتظار التي تصل إلى أكثر من ساعتين مع الرحلات التجارية، حتى ولو كنت في درجة رجال الأعمال".
وتابع "في أغلب الأحيان لا يتعين عليك الذهاب إلى مبنى الركاب، إذ تنطلق بك السيارة إلى مدرج المطار وصولا إلى الطائرة، ولن يقلع الطيار حتى يضمن وصولك، وأنك مسترخ في مقعدك وجاهز للتحليق في الهواء".
والأهم بالنسبة للأشخاص الذين يفضلون هذا النوع من الطيران، أنه مكنهم خلال فترة الوباء من مواصلة الطيران والسفر، فبينما أوقفت شركات الطيران خدماتها على مدار عامين إلى الحد الذي دفع بعض عمالقة الطيران العالمي إلى التحذير بأنهم باتوا على شفير الإفلاس، وتدخلت حكومات دولهم لإنقاذهم من الإفلاس، كان كبار الأثرياء ورجال الأعمال قادرين على مواصلة السفر في شرنقة خاصة بهم تحميهم من مخاطر وباء كورونا، وبينما كان رؤساء مجالس إدارات شركات الطيران الكبرى يدقون ناقوس الخطر بأن شركاتهم على وشك الانهيار، كانت شركات الطيران الخاص وصناعة الطائرات الخاصة تنتعش وتزدهر.

ماذا تقول لنا الأرقام؟
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية" الباحث الاقتصادي جيتمان ديفيد، "وصل الطيران الخاص إلى آفاق جديدة العام الماضي، ويتوقع أن يتواصل الازدهار هذا العام، ففي 2021 تم تشغيل 3.3 مليون رحلة في جميع أنحاء العالم، أي أعلى بنسبة 7 في المائة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل وباء كورونا، وكانت تلك الأرقام مرتفعة في أواخر العام الماضي".
وأضاف "بالنسبة لسوق الولايات المتحدة كانت هذه الأرقام أكثر إثارة للدهشة، إذ كانت نسبة الزيادة في رحلات الطيران الخاص 46 في المائة مقارنة بما كانت عليه في 2019، وخلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي كان هناك أكثر من 495 ألف رحلة جوية على متن طائرة خاصة في الولايات المتحدة، بينما زاد الطلب على رحلات الطيران الخاص بنسبة 20 في المائة في أوروبا".
الآن ومع تراجع حدة وباء كورونا فما مستقبل الطلب على الطيران الخاص؟
يشير بعض الخبراء إلى إمكانية تراجع الطلب نتيجة الارتفاع المتواصل في أسعار الوقود، بسبب استمرار الصراع في أوكرانيا، وسعر وقود الطائرات حاليا أكثر من ضعف سعره العام الماضي.
مع هذا فإن أغلب التقديرات تشير إلى أنه من المشكوك فيه أن يتراجع الطلب قريبا، فالأسعار التنافسية بين شركات الطيران الخاص، تجعل من المستبعد أن يقوم الأشخاص الذين بدأوا في استخدام الطائرات الخاصة خلال العامين الماضيين في التخلي عن ذلك، يضاف إلى ذلك مجموعة أخرى من العوامل المرتبطة بـ"الثقافة الصحية" التي بدأت تسود في مرحلة ما بعد كورونا.
ويقول لـ"الاقتصادية" جون هاري الخبير في مجال الطيران، إن "الاهتمام بتدابير السلامة الصحية أمر بات شديد الأهمية في مرحلة ما بعد كورونا، سواء لأن الفيروس لم يختف تماما، وإمكانية أن يضرب من جديد لا تزال قائمة، أو الخوف من ظهور أوبئة أخرى مماثلة، كل هذا يدفع إلى الاهتمام بالإجراءات الصحية في الطائرات، وبالطبع الطائرات الخاصة بطبيعتها يسهل الحفاظ على نظافتها مع وجود عدد أقل من الركاب، ومساحة أكبر للحفاظ على التباعد الاجتماعي أثناء الصعود والهبوط من على متن الطائرة".
وأضاف هاري "إلى جانب ذلك من المرجح أن تستمر شركات تأجير الطائرات الخاصة في إعطاء الأولية لمعايير النظافة لجذب العملاء الباحثين عن تدابير صحية قوية وفعالة، ويلاحظ أن شركات تأجير الطائرات الخاصة تزيد من اختبارات وباء كورونا لأطقم العاملين على الطائرة مقارنة بالرحلات التجارية".
ويستدرك قائلا "الإقبال على الطيران الخاص سيزداد بسبب حملة التسويق المحمومة التي تقوم بها شركات الطيران الخاص لجذب المزيد من العملاء، وتأتي قاعدة العملاء الجدد من أولئك الذين يسافرون بانتظام في درجة رجال الأعمال، وبينما كانت جهود التسويق السابقة تركز على التجربة الفاخرة والرحلة الأسرع، فإن الحملات التسويقية الجديدة تسلط على زيادة الأمان الصحي ونظافة الطائرات الخاصة".
وتعمل شركات الطيران الخاصة على زيادة جاذبيتها من خلال تطوير تقنية رقمية أكثر تقدما في طائرتها الخاصة، عبر إمكانية استخدام الإنترنت أثناء تحليق الطائرة، ما يتيح للمسافر القيام بمزيد من الأنشطة خلال السفر، يضاف إلى ذلك عمل تلك الشركات على التخلص من الرحلات الجوية المتصلة، إذ إن الرحلات الجوية المتصلة تعرض الركاب لخطر الإصابة بوباء كورونا، فمن المرجح أن يتواصلوا مع مسافرين أو أشخاص آخرين أثناء التحول إلى طائرة أخرى.
وفي الوقت الذي تحتاج فيه الرحلات الجوية التجارية غالبا إلى رحلات ربط لتسهيل احتياجات آلاف الركاب، يمكن للطائرات الخاصة أن تطير إلى المطارات الأصغر والأكثر بعدا، التي لا تستطيع شركات الطيران التجارية الوصول إليها، كما أن الطائرات الخاصة تتمتع بمرونة أكبر لتغير مساراتها لتقليل الحاجة إلى التوقف أو الرحلات الجوية المتصلة، وهذا لا شك يجذب الأشخاص الذين يسافرون بانتظام، لكنهم في الوقت ذاته يريدون تقليل حاجتهم إلى رحلات الربط والمخاطر التي تصاحبها.
وتشير دراسات الطيران إلى أن لدى الركاب نحو 700 نقطة اتصال على متن رحلة تجارية مقارنة بـ20 نقطة اتصال فقط على متن رحلات الطيران الخاصة.
إلا أن البروفيسور مارتين لمبارت أستاذ الاقتصاد العالمي، يرى أن الوباء والمخاطر الصحية والتقنيات الرقمية في الطائرات الخاصة وانخفاض نقاط الربط تمثل جزءا من مشهد أكثر تعقيدا وهو الذي يدفع إلى ازدهار أسواق مثل الطيران الخاص واليخوت باهظة الثمن والأعمال الفنية النادرة، وأن انتعاش مثل تلك الأسواق يعود لأسباب أخرى.
وقال لـ"الاقتصادية"، إن "ازدهار الثروات في العام ونصف العام الماضيين، وتحديدا في المستويات العليا من المجتمع سمح بانتعاش الطيران الخاص".
وأضاف "في الولايات المتحدة ازداد ثراء المليارديرات الأمريكيين بنسبة 62 في المائة تقريبا، ومنذ آذار (مارس) 2020 زادت ثروتهم بأكثر من 1.8 ترليون دولار، وترافق ذلك مع خلل عالمي في توزيع الثروة، ووصول سوق الأسهم إلى مستويات قياسية مرتفعة، وأسعار الفائدة المنخفضة، كل هذا أدى إلى توافر أموال تسمح بزيادة الطلب على سوق الطائرات الخاصة".
وتابع "طالما تواصلت تلك العوامل سيتواصل ازدهار الطيران الخاص".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات