Author

نحن أسرة إنسانية واحدة

|
لا أعتقد أن هناك دولة في العالم بذلت وتبذل جهودا متواصلة وجادة مثلما بذلت المملكة لدعم الحوار من أجل تعزيز التعايش بين الحضارات والأديان. ليس هذا من باب المجاملة والإطراء، لكن الأفعال تحكي على أرض الواقع تفاصيل هذه المسيرة المشرقة والمشرفة التي تتزعمها المملكة طوال العقود الثلاثة الماضية، وازدادت وتيرة هذه الجهود خلال عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده محمد بن سلمان.
بالأمس القريب اختتم ملتقى القيم المشتركة بين أتباع الأديان اجتماعاته في الرياض، الذي هدف إلى تطوير رؤية حضارية مشتركة لترسيخ قيم الوسطية في المجتمعات الإنسانية، وتحويل الخلافات المفتعلة بين الأديان والحضارات، إلى تضامن وتعاون وتفاهم، مؤكدا ضرورة تعزيز السلام والتضامن حول العالم، وشارك قادة مسلمون ومسيحيون ويهود وبوذيون وهندوس. وجاءت هذه المبادرة استشعارا من المملكة بأن الحروب والاضطرابات ذات البعدين الديني والطائفي ينبغي أن تتوقف، لأنها تقوم على فهم خاطئ للأديان التي تنادي جميعها بقيم السلام والتعايش والاستقرار.
وهـدف الملتقى إلـى بلـورة رؤيـة حضاريـة لترسـيخ قيـم الوسـطية فــي المجتمعــات البشــرية، وتعزيــز الصداقــة والتعــاون بيــن الأمــم والشــعوب، بمشاركة قــادة الأديــان حــول العالــم. وفي كلمة أمين عام رابطة العالم الإسلامي المبهرة والرائعة، أشار إلى أن لجميع أتباع الأديان الحق في الوجود بكرامة واحترام، مع رفض أي تأويل خاطئ أو متعمد يقوض التعايش بين أتباع الأديان، وأن الاعتدال الروحي يجمع ولا يفرق، مطالبا بضرورة تجنب التقلب في المواقف من أجل أهداف مرحلية.
ما أروع هذا الملتقى الذي اشتمل على ثلاث جلسات نقاش مهمة، تناولت أولاها موضوع: "الكرامة الإنسانية": المساواة (العادلة) بين البشر، وعمق المشتركات الإنسانية مع التركيز على وجوب تفهم الخصوصيات الدينية والثقافية وعدم الإساءة إلى أتباعها، وإنما يجري الحوار حولها لإيضاح ما يلزم إيضاحه، كما هو أدب الإسلام في الإيضاح والبيان.
وتناولت الجلسة الثانية تجسير الإنسانية لخير الإنسانية: تفكيك مفهوم الصراع الحتمي للحضارات وصدامها وتعزيز قيم الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب لمصلحة الجميع، تحت شعار: "أسرة إنسانية واحدة تتعارف وتتفاهم وتتعاون مع إيضاح الحق للجميع". أما الجلسة الثالثة، فقد ركزت على موضوع: الوسطية وتفهم الآخرين، فطرية القيم الإنسانية ودورها في تكوين شخصية الاعتدال، وتفهم التنوع بين البشر وعدم تحويله إلى خوف وكراهية وصراع، وإنما إلى حوار وتفاهم وتعاون لمصلحة الجميع.
وفي ضوء هذه الجهود الرائعة، فإن المملكة تقوم بدور محوري على المستوى العالمي، استشعارا لمسؤوليتها تجاه الإنسانية، ومنطلقة من دورها المؤثر دينيا كقبلة المسلمين ومهد رسالة النور إلى البشرية أجمع، وثقافيا كمعقل للقيم العربية الأصيلة، واقتصاديا كدولة فاعلة باقتصادها القوي المزدهر، لتبعث للعالم أجمع رسالة تسامح وسلام لكل الإنسانية.
ختاما، كم أنا أعتز بوطني، وبما يحقق من إنجازات وتطلعات تجاوزت حدوده، لاستدامة الحياة على الأرض والحد من تلوثها وما يغير مناخها، وكذلك محاربة الغلو والتطرف، ونزع فتيل التوتر المفتعل وسوء الفهم والكراهية بين أتباع الأديان والطوائف وكذلك الحضارات من أجل تحقيق الاستقرار والتعايش، ورسم فضاء منفتح ومشرق في العالم أجمع.
إنشرها