Author

التضخم والازدهار العالمي

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

تصعب المحافظة على رخاء اقتصادي في ظل موجات تضخم يولدها الاقتصاد الأمريكي على شكل موجات حلقية مركزها الاقتصاد الأمريكي ونهاية دوائرها تصل إلى دول العالم بلا استثناء، تمثلت أضرارها في ارتفاع المعيشة وتضخم قيمة الأصول إلى مستويات مقلقة. ظل صناع السياسات النقدية في أمريكا يحقنون الاقتصاد بأفيون الاقتصاد - إن صح التعبير - أي بسعر الفائدة وتوسيع ميزانية "الفيدرالي" من أجل شراء أصول أكثر من البنوك والمؤسسات المالية ومنح أموال مجانية للشعب الأمريكي في صورة مساعدات متنوعة بما في ذلك دفع إيجار مساكن الشعب بأموال متولدة من التيسير الكمي.
نظريا، ما قامت به أمريكا كان مثاليا على المدى القصير أثناء أزمة كوفيد - 19، لكن الإفراط في ضخ الأموال أثر في اقتصادها، الذي سجل معدل تضخم بلغ 8.5 في المائة لم يسجله منذ أربعة عقود، حيث بلغ معدل تضخم الطاقة 33 في المائة، والغاز الطبيعي إلى 28 في المائة، والبنزين بجميع أنواعه 58 في المائة، رغم كل آثار التضخم التي كان يشهدها الاقتصاد الأمريكي حتى قبل اندلاع الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، ظهرت شكوك وآراء أن فريق بايدن الاقتصادي يتجاهل مخاطر سياسات التساهل النقدي عمدا من أجل غايات سياسية وليست اقتصادية، أي من أجل المحافظة على شعبيته السياسية.
أخيرا "الفيدرالي" رفع أسعار الفائدة على الدولار بمقدار 0.50 في المائة، ويعد مرتفعا إذا ما تمت المقارنة بتاريخ معدلات تشديد السياسات النقدية، وهذا يكشف لنا القلق من فقدان السيطرة، ولا سيما مع تعدد مصادر التضخم من داخل أمريكا وخارجها ولم يكن متوقعا.
تداعيات سرعة رفع الفائدة أربكت الأسواق المالية العالمية وجعلتها تعيد تسعير قيمة أسهم أغلب الشركات، ولا سيما شركات النمو، كما أن آثار رفع سعر الفائدة المتلاحقة، ستنعكس بشكل قاس على عملات كثير من الدول الهشة اقتصاديا، ولا سيما التي لا ترتبط عملاتها بالدولار ولا تملك أرصدة من النقد الأجنبي كافية ولا تجارة خارجية قوية، وفي الوقت نفسه رفع سعر الفائدة يحد قدرات الحكومات على الإنفاق.
في نهاية المطاف، الأزمات المتقاربة وازدواجية التضخم وتدابير تقييد التجارة بسبب الحروب ستقلص من مستويات الرخاء والازدهار العالمي في ظل الأزمات الجيوسياسية الحالية والمتوقعة في المستقبل، وليس أمام العالم لمواصلة الازدهار والرفاهية وحماية النمو الاقتصادي سوى تجنب الانخراط في أي مجموعات نزاع عالمية والمحافظة على نسبة ثابتة ومعقولة بين الاقتصادين الحقيقي والمالي ومواصلة الإنفاق الحكومي والبحث عن محركات نمو جديدة وغير تقليدية وفي مقدمتها الابتكار ودعم البحث الذي له تأثير في الاقتصاد وتوليد شركات ريادية جديدة، لأن الابتكار والتكنولوجيا من أدوات النمو الاقتصادي التي يأمل كثير من الاقتصاديين أن يكون لها دور فعال بعد أن استنفذ العالم كل أسلحته في مواجهة وإدارة الأزمات الاقتصادية المتعاقبة بما في ذلك مشكلات التلاعب بالسياسات النقدية والصرف.
إنشرها