Author

هل الدورة الاقتصادية السعودية مرتبطة بنظيرتها الأمريكية؟

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
يكثر الحديث هذه الأيام عما إذا كان الاقتصاد الأمريكي متوجها نحو ركود اقتصادي حاد، وما إذا كانت الدورة الاقتصادية الأمريكية الكبرى التي انطلقت مباشرة عقب الأزمة المالية 2008 قد حانت نهايتها؟ وفي حال كان 2022 نهاية هذه الدورة، فمتى يتوقف الركود ويعود الاقتصاد إلى النمو مرة أخرى؟ وما علاقة ذلك بالدورة الاقتصادية في المملكة ومدى الترابط بين حالتي الدولتين؟
الدورة الاقتصادية، أو دورة الأعمال كما تسمى أحيانا، هي مجرد التقلبات التي تحصل في معظم الاقتصادات وتقاس بشكل رئيس من خلال نمو الناتج الإجمالي المحلي للدولة. يمكن اختصار الدورة الاقتصادية في أربع مراحل تختلف في مدتها وقوة نموها من أشهر إلى أعوام، وتبدأ بالنمو والتوسع ثم بلوغ ذروة النمو، وفي المرحلة الثالثة يأتي الركود وأخيرا مرحلة القاع.
الحكومات حول العالم تدرس الدورات الاقتصادية وتحاول التخفيف من آثارها بعدة طرق، أهمها تفعيل أدوات السياسة المالية المتاحة لدى الحكومة من التحكم بمستويات الضرائب إلى التحكم بدرجات الصرف والاستثمار الحكومية. أما الطريقة الأخرى للتعامل مع الدورة الاقتصادية فتكون من خلال السياسة النقدية، التي يمارسها البنك المركزي في الدولة، ويتم ذلك بالتحكم بمستويات السيولة عن طريق رفع معدلات الفائدة وخفضها، إلى جانب تعديل معدلات اتفاقيات الشراء مع البنوك التجارية وغير ذلك.
المشكلة التي تواجه متخذي القرار تأتي في صعوبة تفعيل هذه السياسات في الأوقات المناسبة، نتيجة كون بعض القرارات يستغرق وقتا طويلا قبل البدء في تفعيله والحصول على نتائجه، وبالذات فيما يخص السياسة المالية. أما السياسة النقدية فغالبا أسرع في التطبيق، على سبيل المثال رفع معدلات الفائدة أو خفضها.
ما طبيعة الدورة الاقتصادية السعودية؟
كأي اقتصاد عالمي متقدم، فالاقتصاد في المملكة يمر كذلك بدورات اقتصادية، من انتعاش وهبوط وتعاف، إلا أنها ليست بالضرورة متزامنة مع الدورات الاقتصادية في الدول الأخرى، كالشركاء الاقتصاديين ولا مع الولايات المتحدة رغم العلاقة القوية بين السياستين النقديتين في الدولتين. أي رغم أن سياسة تحديد أسعار الفائدة في المملكة مرتبطة بأسعار الفائدة الأمريكية، بسبب ارتباط العملتين، إلا أنه يحصل أحيانا أن يكون هناك تباين في القرارات، كأن يتم رفع الفائدة في أمريكا في الوقت الذي لا يناسب الاقتصاد السعودي بالضرورة أو العكس.
الدورة الاقتصادية في المملكة مرتبطة إلى حد كبير بالدور الحكومي في الاقتصاد الذي بدوره يرتبط بمستويات أسعار النفط، حيث تشكل المشاركة الحكومية في الناتج المحلي الإجمالي في فترات سابقة بالمتوسط 41 في المائة من جهة الاستهلاك ونحو 22 في المائة من جهة الصرف. لذا فالدورة الاقتصادية السعودية تختلف عن نظيرتها الأمريكية في مدى تأثير المشاركة الحكومية، وكذلك في خصائص الدورة. في دراسة قام بها الدكتور أسامة الباز من الغرفة التجارية الصناعية في المملكة تبين أن هناك حالات كانت فيها السياسة المالية متزامنة مع الدورة الاقتصادية، وهذه ليست الحالة المثالية المفضلة، بل الأفضل تحريك أدوات السياسة المالية بشكل مخالف للدورة الاقتصادية من أجل تخفيف حدة الدورة، فيرفع من مستويات الصرف والاستهلاك في أوقات الركود ويخفف منها في أوقات الانتعاش للسيطرة على التضخم وعدم قتل الدورة سريعا.
الدراسة ذاتها تشير إلى أن مرحلة الانتعاش غالبا تكون أطول من مرحلة الركود، كما أن حدة الارتفاع ومستوى القمة فيه أكبر من مستوياتها في مرحلة الركود. في الدراسة للأعوام من 1970 إلى 2016 تبين أن متوسط مدة الدورة الاقتصادية في المملكة أقل بقليل من خمسة أعوام، ومدة مرحلة النمو بالمتوسط 3.5 عام، ومدة مرحلة الركود بالمتوسط عام ونصف، وهذه الأرقام قريبة للأرقام الخاصة بالدورة الاقتصادية الأمريكية.
هل سيدخل الاقتصاد السعودي في مرحلة ركود كما هو متوقع للاقتصاد الأمريكي؟
مراحل الدورات الاقتصادية عموما تتأثر بثلاثة عوامل رئيسة: مستويات العرض والطلب في الاقتصاد، ومستويات التمويل المتاح للأفراد والمؤسسات وأخيرا مستويات الثقة والتفاؤل لدى الناس، وفي المملكة نحتاج إلى إضافة عامل المشاركة الحكومية لما لذلك من تأثير في مراحل الدورة. هذه الأيام التوقعات أن ينمو الاقتصاد السعودي 7.4 في المائة هذا العام، بحسب بيانات صادرة من وزارة المالية، بينما نجد أن الاقتصاد الأمريكي قد سجل انخفاضا في الربع الأول من العام والتوقعات تشير إلى ركود اقتصادي، ما يعني انخفاض الناتج الإجمالي الأمريكي لهذا العام. ولو أننا ألقينا نظرة على معدلات النمو للاقتصاد الأمريكي في العشرة أعوام الماضية فسنجد أن هناك نموا سلسا ومتواصلا إلى وقت اندلاع أزمة كورونا، حيث كان ينمو الاقتصاد الحقيقي في حدود 2 في المائة سنويا.
في المقابل، نجد أن الاقتصاد السعودي في الفترة نفسها يسير في الاتجاه التصاعدي نفسه إلا أن معدلات النمو السنوية متذبذبة بشكل أكبر، فنجدها تتأرجح ما بين 1 و5 في المائة سنويا، والسبب مرة أخرى يعود لدور عائدات النفط في الاقتصاد وتقلب أسعار النفط. هذه الأيام مع الارتفاع في أسعار النفط، ليس من المتوقع أن تتبع الدورة الاقتصادية في المملكة نظيرتها في أمريكا، كما أنها لم تتبعها في كثير من الأحيان، وبالتالي أي تأثيرات في أسعار الأصول في أمريكا لن تنعكس بالضرورة على أسعار الأصول في المملكة.
بقيت الإشارة إلى أنه إلى جانب الدورة الاقتصادية هناك الدورة المالية التي تعتمد على مستويات السيولة والائتمان المصرفي، وهي غالبا تتزامن مع الدورة الاقتصادية وليست مطابقة لها، وأهميتها تأتي في كون الدورة المالية تتأثر بالدورة الاقتصادية وتؤثر فيها. فمثلا تنتهي الدورة المالية عندما تشح السيولة وترتفع أسعار الفائدة، وهذا بدوره يؤثر في الدورة الاقتصادية، وهناك أحيانا تفاوت في التوقيت وعدم تناسق، ما يؤدي إلى تأثيرات غير متوقعة.
إنشرها