أخبار اقتصادية- عالمية

واشنطن تلعب بـ «ورقة الصين» لكبح التضخم .. رفع التعريفات الجمركية يثير انقسام المشرعين

واشنطن تلعب بـ «ورقة الصين» لكبح التضخم .. رفع التعريفات الجمركية يثير انقسام المشرعين

في الوقت الذي يحوم فيه التضخم الأمريكي بالقرب من أعلى مستوى له منذ 40 عاما، تحث مجموعات تجارية واقتصاديون في الولايات المتحدة إدارة بايدن على إلغاء التعريفات الجمركية الإضافية، التي فرضت في عهد ترمب على الواردات الصينية، حيث رأوا أن هذه التعريفات تأتي بنتائج عكسية على الاقتصاد الأمريكي.
وقالوا إن هذه التعريفات، التي ليس لها غرض سياسي جيد، تعد ضريبة غير ضرورية على المستهلكين الأمريكيين والشركات الأمريكية، مشيرين إلى أن إلغاءها أو على الأقل تخفيضها سيساعد على خفض التضخم المرتفع وتحقيق الاستقرار في توقعات التضخم.
ولكن مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي، قد يتردد بعض المشرعين، الذين يحرصون على اتخاذ موقف متشدد تجاه الصين، في دعم تخفيف التعريفات الجمركية المفروضة على الصين، وقد يمتنعون عن فعل "الشيء الصحيح" بالنسبة للشركات الأمريكية والمواطنين الأمريكيين.

التضخم يزيد الضغوط
وأشار عديد من مسؤولي البيت الأبيض، فضلا عن الرئيس جو بايدن نفسه، إلى أن الإدارة تدرس ما إذا كانت ستلغي على الأقل بعض التعريفات الجمركية، التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب على السلع الصينية.
وأضاف بايدن للصحافيين عقب إلقاء خطاب حول التضخم الثلاثاء، "نحن نناقش ذلك الآن. نحن ننظر فيما سيكون له التأثير الأكثر إيجابية"، مؤكدا أنه لم يتم اتخاذ أي قرار.
جاءت تصريحات بايدن في أعقاب تصريحات أدلى بها أخيرا داليب سينج نائب مستشار الأمن القومي، وجانيت يلين وزيرة الخزانة، اللذان تحدثا عن تخفيف محتمل للتعريفات الجمركية على المنتجات الصينية في أواخر نيسان (أبريل).
ودعا السيناتور الجمهوري مايك كرابو إلى "تطبيق مدروس" للتعريفات الجمركية المفروضة بموجب المادة الـ301 على الصين، وقال في جلسة استماع للجنة المالية في مجلس الشيوخ "نحن بحاجة إلى خفض التعريفات الجمركية على المدخلات التي تدعم الصناعة التحويلية الأمريكية أو على السلع التي يستهلكها المستهلك الأمريكي، خاصة الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض".
وجاءت هذه الأصوات في الوقت الذي تشهد فيه الولايات المتحدة أعلى معدل تضخم منذ أربعة عقود، حيث ظل مؤشر أسعار المستهلك أعلى من 6 في المائة على أساس سنوي منذ تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي. ووفقا لبيانات وزارة العمل الصادرة الأربعاء، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في أبريل 8.3 في المائة، مقارنة بالعام الماضي، وهو الشهر الثاني على التوالي الذي يتجاوز فيه معدل التضخم 8 في المائة.
على الرغم من أن نمو الأسعار أظهر علامات على التراجع في نيسان (أبريل)، إلا أن أحدث بيانات مؤشر أسعار المستهلك "كانت بمنزلة تذكير صارخ" بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أمامه طريق طويل عليه أن يقطع لخفض التضخم"، حسبما أشارت سارة هاوس ومايكل بوليسي، الاقتصاديان في مؤسسة "ويلز فارجو سيكيوريتيز" في أحد التحليلات.

الأمريكيون غير راضين
وقال مجلس الأعمال الأمريكي الصيني، الذي يمثل 260 شركة أمريكية تتعامل مع الصين، في تصريحات صحافية إن "الأمريكيين غير راضين عن ارتفاع معدلات التضخم والتكاليف، لذا فإن توفير تخفيف التعريفات الجمركية في أقرب وقت ممكن يعد أحد السبل لخفض الأسعار وزيادة الطلب، ولا سيما بالنسبة للسلع الاستهلاكية".
وذكرت المجموعة التجارية في وقت سابق أنه "لا يوجد أي داع" للإبقاء على التعريفات الإضافية على المنتجات الصينية التي فرضت خلال رئاسة ترمب، لأنها تعد "ضريبة غير ضرورية" على المستهلكين الأمريكيين والشركات الأمريكية "دون أن يكون لها أي غرض سياسي جيد".
وحذرت منظمة "أمريكيون من أجل تجارة حرة"، وهي تحالف واسع من المنظمات التجارية، أخيرا من أن التعريفات المفروضة بموجب المادة الـ301 تضع عبئا اقتصاديا إضافيا على كاهل الشركات الأمريكية والمصنعين والمزارعين الأمريكيين والأسر الأمريكية. وأكدت أنها تجعل الولايات المتحدة أقل قدرة على المنافسة عالميا، وتلحق "ضررا اقتصاديا غير متناسب باقتصاد أمريكي يواجه قلقا من تضخم مستمر".
وأفاد تقرير نشر على موقع "أكسيوس"، بعنوان "الحرب التجارية على الصين فاشلة من جميع النواحي"، إن التعريفات الجمركية لا تضر بالشركات الأمريكية والعمال الأمريكيين فحسب، بل تؤدي أيضا إلى ارتفاع الأسعار، وإن توقعات التضخم بدأت في الارتفاع.

خفض التعريفات يقلل الأسعار
مع استمرار شعور الأمريكيين بلسعة التضخم المرتفع، قال خبراء اقتصاديون إن إلغاء أو على الأقل خفض التعريفات الإضافية على السلع الصينية سيساعد على خفض التضخم المرتفع وتحقيق الاستقرار في توقعات التضخم.
ففي بحث أجري أخيرا، جادل جاري هوفباور، الزميل الأقدم غير المقيم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وزميلتاه ميجان هوجان ويلين وانج بأن التأثير المباشر لإلغاء التعريفات الإضافية على المنتجات الصينية سيعود بخفض 0.3 نقطة مئوية في مؤشر أسعار المستهلك، ولكن سيكون هناك أيضا تأثير غير مباشر سيضاف "إلى حد كبير" إلى الـ0.3 نقطة مئوية.
وقال هوفباور "إنها ستكون إشارة كبيرة جدا للشركات الأمريكية بأنها ستواجه مزيدا من المنافسة وهذا قد يدفعها إلى تعديل زيادات أسعارها مع استمرار التضخم".
وردا على الحجة القائلة بأن خفض التعريفات الجمركية المفروضة على السلع الصينية لن يؤدي إلى خفض ذي مغزى في الأسعار، أشار هوفباور إلى أنه لا يقضي تماما على مشكلة التضخم، "لكنه أفضل من عدم القيام بأي شيء".
وأفاد "لذلك هناك رفع لأسعار الفائدة، وهناك تقليص للإنفاق الفيدرالي، وهناك خفض للتعريفات الجمركية، وكل هذه الأشياء لها بعض التأثير"، هكذا ذكر هوفباور، مضيفا "أود أن أقول إنه شيء، حيث يكون كل جزء صغير ذا أهمية".
وأظهرت الدراسة التي أجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن "وضع حزمة قابلة للتطبيق بشأن تحرير تجارة" يمكن أن يؤدي إلى انخفاض تضخم مؤشر أسعار المستهلك في وقت واحد بنحو 1.3 نقطة مئوية، وهذا من شأنه أن يوفر 797 دولارا لكل أسرة أمريكية.
ويرى لورانس سامرز، وزير الخزانة الأمريكي سابقا، أن خفض التضخم هذا من خلال إلغاء التعريفات الجمركية أكثر أهمية من أي شيء يمكن تحقيقه خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة من خلال إجراءات مكافحة الاحتكار، وربما يكون "أكثر أهمية" بكثير من تثبيت أسعار تعبئة اللحوم، الذي كان موضوع عديد من الأحداث الرئاسية.
حتى إن يلين قالت في مقابلة مع "تليفزيون بلومبيرج" إن إلغاء التعريفات الجمركية، التي فرضت على الصين في عهد ترمب سيكون لها بعض الآثار المرغوبة على التضخم والأمر يستحق النظر.

إشارات مشجعة
على الرغم من الإشارات المشجعة بشأن خفض التعريفات الجمركية، إلا أن بعض المشرعين، الذين يتوقون إلى الحصول على ميزة في انتخابات التجديد النصفي المقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر)، قد يترددون في تخفيف التعريفات الجمركية المفروضة على الصين، هكذا ذكر مراقبون.
وصرح جريج كوزاك، العضو السابق في مجلس النواب في ولاية أيوا، قائلا "من المستبعد جدا أن تسفر انتخابات التجديد النصفي عن أي تخفيف للتوترات المختلفة بين الولايات المتحدة والصين، بما في ذلك تشريعات التعريفات الجمركية".
وأوضح الديمقراطي المخضرم كوزاك أن المرشحين الذين يدعمهم الجمهوريون هم أكثر يمينية وتطرفا من أعضاء الكونجرس الحاليين، وأن المرشحين الديمقراطيين سيخوضون بشكل شامل معركة شاقة لا يمكنهم فيها تحمل أن ينظر إليهم على أنهم ضعفاء أو راضخون للصين بأي شكل من الأشكال.
وأشار إلى أن "الكونجرس ليس لديه كثير من الحافز لفعل الشيء الصحيح ما لم يكن ذلك الشيء سيعزز على الأرجح مكانته في استطلاعات الرأي أو يجلب مزيدا من التمويل لحملته".
فالسيناتور جوش هاولي من ولاية ميسوري، الذي قال إنه "يحاول الاستيلاء على عباءة الشعبوية اليمينية"، وكتب أخيرا في تغريدة يقول إنه "ليس الوقت المناسب للتساهل مع الصين".
وأضاف "جعل الصين تزداد ثراء والشركات متعددة الجنسيات تنهض بدعم من العمال الأمريكيين سياسة فاشلة يفضلها أنصار العولمة، فلتضعوا العمال الأمريكيين في المقام الأول"، هكذا قال النجم الصاعد بالحزب الجمهوري.

إدارة بايدن مترددة
وليس الجمهوريون وحدهم من يريدون اللعب بورقة الصين. فقد قال تيم رايان، عضو الكونجرس الديمقراطي عن أوهايو، إن إلغاء التعريفات الجمركية المفروضة على السلع "غير الاستراتيجية" الواردة من الصين سيكون خطأ كبيرا، وألقى باللائمة على الصين في المشكلات الاقتصادية التي يواجهها العمال الأمريكيون.
ولفت هوفباور إلى أن إدارة بايدن قد تكون مترددة في إلغاء التعريفات الجمركية، التي تعود إلى عهد ترمب، لأنها ستضطر إلى مواجهة انتقادات بأنها لينة تجاه الصين.
وقال "أعتقد أنهم قلقون بشأن ذلك، وهذا يمنعهم من فعل الشيء الصحيح، الشيء الصحيح للاقتصاد الأمريكي".
لكن هوفباور يعتقد أن مجلسي النواب والشيوخ قد يكون في مقدورهما التوصل إلى اتفاق بشأن "قانون تنافس أمريكا" "أمريكا كومبيتس آكت"، والذي يمكن أن يشمل تمويلا بمليارات الدولارات لصناعة أشباه الموصلات، واستثناء موسعا للمنتجات الصينية من التعريفات الجمركية.
وذكر هوفباور أن المشرعين لديهم فرصة تتجاوز 50 في المائة لحل الخلافات بحلول الصيف وتقديم سلسلة من الاستثناءات التعريفية الصغيرة بشكل فردي، ولكنها تحمل أهمية بشكل جماعي.
ومن جانبها، قالت تشن فنج يينج، الباحثة في معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، لـ"شينخوا" إنه منذ 2018، أخذت الحرب التجارية تتصاعد تدريجيا، ما أدى إلى إلحاق الضرر بالجانبين.
ولدى إشارتها إلى أن الحرب التجارية في سياق العولمة لن تؤدي سوى إلى تفاقم التضخم في الولايات المتحدة، ذكرت الباحثة أن إلغاء التعريفات الجمركية ذات الصلة من شأنه أن يصب في مصلحة تخفيف المشكلات الاقتصادية في الولايات المتحدة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية