Author

استثمارات جريئة ومبتكرة

|

الارتفاع الكبير الذي شهدته استثمارات رأس المال الجريء، يعكس في الواقع وجود مثل هذا النوع من المال حتى في ظل الاضطرابات الاقتصادية الدولية، فالعالم مر في غضون عامين تقريبا بأزمتين خطيرتين، نجمت الأولى عن تفشي جائحة كورونا، التي لا تزال تداعياتها ماثلة أمامنا حتى اليوم، والحرب الروسية - الأوكرانية الدائرة في أوروبا، ناهيك عن المعارك التجارية التي سادت المشهد الدولي في الأعوام الأخيرة من العقد الماضي خصوصا.
استثمارات المال الجريء ارتفعت على أساس سنوي في الربع الأول من العام الجاري 7 في المائة، وسجلت 144 مليار دولار تقريبا، عبر 8835 صفقة، وإن تراجعت على أساس فصلي 19 في المائة، والواضح، أن رأس المال المجازف وجد ميادين مؤهلة للاستثمار، وإن كانت هناك بعض المخاطر حولها.
هذا النوع من الاستثمارات ارتفع في مناطق مختلفة من العالم، فقد قفز بمعدل 65 في المائة في السعودية في النصف الأول من العام الماضي، عبر ضخ مزيد من الأموال في شركات سعودية ناشئة، ويعود السبب في ذلك، إلى المساحات التي وفرتها رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والمبادرات التي أطلقتها كروافد تمويلية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولأن الأمر كذلك، فقد حصلت الشركات الناشئة في السعودية على أكثر من 35 في المائة من إجمالي التمويلات في المنطقة، في ظل تضاعف هذه التمويلات في الربع الأول من العام الحالي، ما يعني أن ثقة المستثمرين بالقطاع ترتفع، ومسار التنمية الشاملة والمستدامة يمضي في إطار ما خطط له، ناهيك عن السمعة المتماسكة للاقتصاد السعودي عموما، حتى في ظل الضغوط التي تعرض لها من المشهد الاقتصادي العالمي المضطرب.
والاستثمارات التي تعتمد على "المال الجريء" ليست قديمة، وتعود إلى عام 1964 عندما طرحت في الولايات المتحدة، وقتها ظهرت على الساحة كيانات وصناديق تستهدف تمويل الشركات الناشئة، وتلك التي لم تحتل بعد مكانة ثابتة في السوق.
ومثل هذه الاستثمارات تتطلب جرأة لا تكون عادة موجودة عند أصحاب رؤوس الأموال، فضلا عن مناخ اقتصادي مشجع، وشركات تتميز بالابتكار تحديدا، من هنا يمكننا النظر إلى الارتفاع الأخير لهذه الاستثمارات، حيث تصدرت الولايات المتحدة قائمة المناطق التي استحوذت على القسم الأكبر من الأموال التي دخلت هذا القطاع أو ما اصطلح على تسميته "الاقتصاد الجديد"، فحصتها من الـ144 مليارا كانت 49 في المائة، في حين احتلت آسيا المركز الثاني بـ25 في المائة، تلتها أوروبا بنحو 19 في المائة.
لا بد من الإشارة هنا، إلى أن الشركات الناشئة، خصوصا في الأسواق الأكثر استقرارا، تحقق مكاسب بصرف النظر عن قيمتها السوقية، علما بأن التمويلات الضخمة التي تزيد على 100 مليون دولار للصفقة الواحدة تراجعت 30 في المائة، مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، ما يؤكد أن الشركات الصغيرة تستقطب تمويلات جيدة في هذا المضمار.
الساحة ستكون جاهزة في العام الحالي لمزيد من التمويلات بصرف النظر عن قيمة كل صفقة، ما يرفد "الاقتصاد الجديد" بمزيد من الحضور في الأسواق، خصوصا تلك التي تتمتع باستدامة وتعيش حالة من اليقين الداعم لحراكها.

إنشرها