Author

فرص ومخاطر ورقابة محدودة

|

لا يمكن تشبيه الوضع الراهن في عالم العملات المشفرة بأي تجربة إنسانية استثمارية سابقة، ولعل هذا ما يجعل الأمر مضطربا، حيث تشير الدراسات إلى أن الذين يدخلون عالم المضاربات في العملات المشفرة هم مزيج مختلط بين مضاربين ومستثمرين مخضرمين وممارسين جدد، والجميع يعدون أنفسهم من المغامرين، ذلك أن الشعور بالقلق والحماس لا يزال يراودهم جميعا.

فبينما يصف تقرير لـ"الاقتصادية" مؤتمرا لتحفيز الاستثمار في العملات المشفرة عقد في جزر الباهاما أخيرا وشارك فيه عدد من كبار الشخصيات العالمية من بينهم بيل كلينتون الرئيس الأمريكي الأسبق وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، لم يتجاهل التقرير رصد الانخفاض في إجمالي القيمة السوقية للعملات المشفرة 5 في المائة، لتسجل بذلك انخفاضا 40 في المائة من أعلى مستوياتها منذ الخريف الماضي. ويشير التقرير إلى حديث البعض عن فترة فوضوية، قد تجتاح الأسواق، لأن شركات رأس المال المغامر التي جمعت الأموال في العامين الماضيين لن تكون قادرة على دعم نفسها لمدة أكثر من 18 و24 شهرا، وستحتاج قريبا إلى البحث عن تمويل جديد في بيئة أكثر صعوبة، خاصة إذا فشلت في تحقيق طموحاتها.

وفي قت كان البعض يتحدث على مسرح المؤتمر وبحماسة واضحة عن العملات المشفرة وضرورة تحفيز الوعي حولها، كان حديث عدد من المسؤولين التنفيذيين في أروقة المؤتمر يدور حول احتمالات الضرب بمشاريع العملات المشفرة الحالية عرض الحائط، فالتجربة الإنسانية القائمة حتى الآن بشأن مثل هذه المضاربات المحفزة بمثل هذه المؤتمرات تذكر الجميع بأصداء طفرة الدوت كوم، لكن المؤمنين بالعملات المشفرة مقتنعون بأن أكثر المشاريع ديمومة ستنجو، مثلما حدث أيضا بعد انهيار الدوت كوم.


هناك تطورات متلاحقة تبشر بمشاريع أكثر ديمومة في أسواق العملات المشفرة، ولعل أكثر هذه المشاريع نموا في الوقت الراهن هو إقراض واقتراض العملات المشفرة، وهذا بلا شك سيدعم سوقا للعملات المشفرة تبلغ قيمتها تريليوني دولار، يمتلك فيها ملايين المستثمرين شكلا من أشكال الأصول الرقمية، فلم تعد السوق محصورة في عملة بيتكوين التي تراجعت حصتها من إجمالي عالم العملات المشفرة من 72 في المائة من إجمالي رسملة السوق العالمية للأصول الرقمية إلى 41 في المائة، وأصبح هناك ما يسمى الرموز غير القابلة للاستبدال.

ويتعلم المستثمرون تباعا كيفية توليد الدخل من الأصول المشفرة بأنواعها، حيث يوجد اليوم نحو 18 في المائة من البالغين في المملكة المتحدة وحدها، بحسب التقارير، ممن يمتلكون عملات مشفرة - نصفهم استثمر فيها لأول مرة في 2021 - بينما يقول ثلث المستهلكين في المملكة المتحدة، إنهم يمتلكون حاليا عملات مشفرة.

وأظهر استطلاع أن أكثر من 60 في المائة من الذين لديهم عملات مشفرة، يخططون لإضافة مزيد منها في مقابل 11 في المائة يخططون لبيع كامل أصولهم المشفرة أو بعض منها، وهذه الأنشطة تتم من خلال الأسواق المالية اللامركزية، وهي أسواق مؤتمتة تعتمد على الحاسوب، حيث يتم إقراض العملات المشفرة واقتراضها وتداولها.

وتعمل الأسواق المالية اللامركزية على أساس نظير إلى نظير، فلا توجد مؤسسة مركزية ترتب المعاملات أو بنك مركزي يشرف على الائتمان.

وقد حققت الأسواق المالية اللامركزية نموا سريعا، حيث تضخمت من 15 مليار دولار في نهاية 2020 إلى ذروة بلغت 110 مليارات دولار في أيلول (سبتمبر) العام الماضي، بينما تبلغ قيمتها الآن 76 مليار دولار.

وقد وصف محللو مصرف جولدمان ساكس هذه الأسواق المالية اللامركزية بأنها "نظام مالي بديل تجريبي وغير منظم"، حيث يمكن للمستخدمين كسب عائد على حيازتهم من العملات الرقمية المدعومة بأصول "عادة نحو 5 في المائة، نحو عشرة أضعاف العوائد المتاحة على الودائع المصرفية المؤمنة"، وقدر محللون آخرون الرقم عند 12 في المائة، وفقا لتقرير نشرته "الاقتصادية" عن ذلك، كما أن بعض المستثمرين أصبحوا قادرين على اقتراض النقود باستخدام عملتهم المشفرة كضمان، عبر مقرضين متخصصين، مثلما تقوم به منصة نيبيوس التي تقدم قروضا نقدية تصل إلى 80 في المائة من قيمة رصيد العملات المشفرة، التي يتم الاحتفاظ بها كضمان، وفي حال تخلف المقترض عن السداد تتم تصفيتها.

بعض العملاء يقترضون لدفع فواتير المنزل أو شراء المستلزمات الضرورية، وضمن هذا الاتجاه استطاعت شركة تسمى نيكسو الحصول على ختم الموافقة من "ماستركارد" لإطلاق مشترك لبطاقة ائتمان تتيح للمستخدمين استخدام الأصول الرقمية كضمان لها، وهذا التطور مقلق جدا للبنوك المركزية، لأنها قد تزيد الضغوط الائتمانية في المجتمع والاقتصاد، لكنها في الوقت نفسه تمنح الديمومة لاقتصاد العملات والأصول المشفرة وأسواقها المالية.


وبينما يرى نقاد العملات المشفرة هذا التطور دليلا إضافيا على فقاعة لا بد أن تنفجر، فإن الجهات التنظيمية تشعر بقلق كبير وحاجة الناس إلى الحماية، فالرقابة على شركات العملات المشفرة محدودة في العالم أجمع وهناك نقاش بين صناع السياسة حول كيفية تحقيق التوازن الصحيح بين الترويج للتكنولوجيا المالية وحماية المستثمرين، فتقارير شركة إيليبتك المختصة ببيانات العملات الرقمية تؤكد أن المستثمرين خسروا العام الماضي 12 مليار دولار من أموالهم في الأسواق المالية اللامركزية، وأن أكثر من عشرة مليارات دولار من هذه الخسائر كان سببها قراصنة الإنترنت وفقدان المدخرات.

كانت هذه الخسائر تفوق كل الأموال التي تمت خسارتها مباشرة بسبب التقلبات في قيم الأصول، وشهدت المملكة المتحدة ارتفاعا 116 في المائة في تقارير الاحتيال المتعلقة بالعملات المشفرة، من 3983 حالة إلى 8614 حالة خلال 2020 - 2021، وفقا لشركة المحاماة بينسينت مايسون، وهو العام الرابع على التوالي الذي ارتفعت فيه حالات الاحتيال المرتبط بالعملات المشفرة أكثر من 100 في المائة، وهذا الموقف المعقد يلخصه الرئيس التنفيذي لهيئة السلوك المالي البريطانية، حيث قال: "كما حذرنا باستمرار، إذا كنت تستثمر في العملات المشفرة، ينبغي لك أن تكون مستعدا لخسارة كل أموالك".

إنشرها