Author

الأسهم .. تقلبات ما بعد الفائدة

|

كان طبيعيا تراجع الأسهم على مستوى الأسواق الرئيسة حول العالم، بسبب إقدام المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي"، على رفع الفائدة بنصف نقطة مئوية، وهو يعتزم مواصلة سياسة الرفع هذه على الأقل خلال العام الجاري. وزيادة الفائدة الأمريكية لم تكن مطروحة أصلا في العام الماضي، وأصر المشرعون الأمريكيون على أن المخاوف الآتية من تصاعد التضخم في البلاد، لا مبرر لها، وأن الاقتصاد الأمريكي قادر على مواجهتها. لكن الأمور لم تسر كما توقع هؤلاء، لأن الموجة التضخمية بلغت أعلى مستوى لها منذ عقود، والأمر نفسه ينسحب على اقتصادات الدول المتقدمة، التي تقدمت بنوكها المركزية لرفع الفائدة في محاولات لكبح جماح التضخم. فهذا الأخير وصل في دولة كبريطانيا إلى أعلى مستوى له منذ ثلاثة عقود، ومن المتوقع أن يحطم الرقم إلى أربعة عقود بنهاية العام الجاري.
مع رفع "الفيدرالي الأمريكي" الفائدة، سجلت الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا أسوأ أداء أسبوعي لها في شهرين. فعادة ينتشر القلق في صفوف المستثمرين في الأسهم، لأن الفائدة "وإن كانت متواضعة" ترفع بالطبع من تكاليف الاقتراض والديون الأخرى المختلفة. ماذا يحدث؟ يتراجع الطلب، في حين تضطر الشركات إلى رفع حجم تمويلاتها، وتتراجع الأرباح بالطبع، ما يدفع وتيرة الاستثمار فيها إلى التراجع. فضلا عن الضغوط التي تظهر على الفور في السوق العقارية التي تعتمد أساسا على الرهن. صحيح أن الاضطرابات التي تضرب الأسهم من جراء الفائدة المرتفعة ليست مستدامة، إلا أنها تؤثر بصورة مختلفة في أداء الشركات المدرجة. وهذه الاضطرابات أتت قوية نتيجة المشكلات التي واجهتها الأسهم بشكل عام من جراء انفجار جائحة كورونا، ما أدى - على سبيل المثال - إلى انخفاض مؤشر الأسهم "إس آند بي 500" الأمريكي 9 في المائة في الشهر الأول من العام الحالي.
أقدمت البنوك الرئيسة الأخرى على رفع الفائدة، متأثرة بالطبع بخطوة "المركزي الأمريكي"، ما ضرب أسواق الأسهم أيضا فيها، كما حدث في سوق لندن مثلا. الفائدة المرتفعة أيضا تسهم في رفع جاذبية الأصول الأقل مخاطر مثل السندات سواء الأمريكية أو غيرها. لكن لا بد من التأكيد مرة أخرى على أن التأثر السلبي للأسهم يبقى مرحليا، وإن ظلت أجواء عدم اليقين قائمة. فهذه الأجواء صارت عالمية بفعل تداعيات كورونا، والحرب الدائرة حاليا بين روسيا وأوكرانيا، فضلا عن المشكلات التي كانت تواجه الاقتصاد العالمي في الأعوام الأخيرة من العقد الماضي، بما في ذلك المعارك التجارية بين الدول المحورية، واضطرابات متفاقمة في ميدان سلاسل التوريد. فالمشهد العام ليس براقا، ولن يكون كذلك قبل أن تتضح الصورة تماما، وتتوقف المؤثرات السلبية عن الظهور على الساحة الدولية.
وهناك ربح وخسارة في أسواق الأسهم حتى في ظل هذه الظروف. ففي حين تراجعت أسهم شركات التكنولوجيا التي حققت قفزات نوعية خلال أزمة كورونا، جنت شركات النفط والغاز والطاقة عموما أرباحا في أوروبا على وجه الخصوص، مع وصول سعر برميل النفط إلى 110 دولارات. وبالطبع يبقى المدخرون من المستفيدين الدائمين حين ترتفع الفائدة ولا سيما من جانب "الفيدرالي الأمريكي". الأسهم ستبقى في حالة من التأرجح ليس هذا العام فحسب، بل في العام المقبل. فكل المؤشرات تدل على أن البنوك المركزية الرئيسة ستواصل رفع الفائدة، لأنها لم تعد تتحمل الزيادة المخيفة للتضخم. ما يعني أن مرحلة التيسير النقدي تنتهي بسرعة أيضا. فالانكماش صار العنوان الرئيس على الساحة حاليا.

إنشرها