Author

جائزة التعليم للتميز .. متى؟

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
جائزة التعليم للتميز هي جائزة سعودية تمنحها وزارة التعليم لجميع منسوبي الميدان التعليمي من تربويين وإداريين من الجنسين على مستوى المدرسة، مكتب التعليم، الإدارة التعليمية، الوزارة، وكذلك جميع الطلاب والطالبات بمختلف مراحلهم الدراسية، وقد حققت هذه الجائزة نجاحات كبيرة في الدورات العشر السابقة، وأصبحت أيقونة من أيقونات التعليم في المملكة والجميع في كل قطاعات التعليم ينتظر نتائجها بشغف كبير، كما أنها تحظى بمشاركة كبيرة في كل الفئات، ولقد طال انتظارها هذه المرة، والمرشحون للجائزة الذين مضوا في كل الخطوات من الترشيح حتى المقابلات ينتظرون النتائج بلهفة شديدة، خاصة بعد الخروج من الأزمة الصحية والعودة الكاملة للتعليم بكل مراحله. التميز عموما يعد هدفا نبيلا جيدا، وبينما يسعى له كثير، لا يصل له إلا البعض، وهو الفرق بين الهواية والاحتراف، فما يفعله الشخص المحترف يختلف عما يقوم به الهاوي، ويتمثل ذلك الفرق بينهما في معرفة التفاصيل ودقة العمل وفقا لها، فالمحترف يدرك حدود ذلك فلا يقل عنه ولا يتجاوزه. ومع الأسف، فإن كثيرا منا يؤدي أعماله بطريقة رتيبة Systematic وروتينية حتى في مجال التخصص الدقيق الذي نتحصل منه على أرزاقنا، نعمل برتابة تجعلنا نفقد التفاصيل مع الزمن والاهتمام بها، ثم نصبح كمن يقوم بتنظيف فناء المنزل، نقوم بذلك بصورة آلية دون معرفة كافية ولا تدريب متواصل ولا معايير نلتزم بها، يكفي أن نؤدي العمل.
عند الهواة يكفي الإنجاز فقط، ولو تتبعت أحدهم وهو يرسم لوحة فنية مثلا، أو يؤدي مباراة، أويقوم بأداء خاص أو بحث أو تعليم وتدريب أو دراسة حالة ومعالجة مريض، ستدرك فورا أنه من الهواة أو يتصرف مثلهم، ولو حمل لواء المحترفين ووقع عقودهم، ذلك أن التخلص من العمل بأسرع وأقصر مدة هي السمة الأساسية، والانتهاء من اللوحة والعمل هو المعيار والغاية الأسمى، وإذا تعاملت مع هؤلاء فأنت عندهم مجرد زبون أو حالة أو معاملة لا غير، لكن إذا نظرت للعمل نفسه وقد قام به محترف حقيقي (حتى لو كان يصنف نفسه من الهواة، إذ لم يوقع عقدا ولم يعلن احترافا)، فإنك ستجد الفرق واضحا في التفاصيل، في الالتزام الصارم بالمعايير، التزام يجعلك تقف معجبا وتقر له بالمهنية والاحتراف وتقف احتراما. لكن الاحتراف بهذه الصفة يضعنا في مشكلة دائمة مع ارتفاع التكلفة، فالعوائد لا تبرر الجهود التي نبذلها في الوصول بأي عمل إلى أكمل وجه (أو على الأقل هذا ما يدعيه البعض) ولحل هذه المشكلة ابتدع المحترفون في كل المهن والقطاعات عددا من المعايير التي تضمن دقة العمل وتضمن التفاصيل وتضع الفارق بين الهواة والمحترفين. هذه المعايير والالتزام بها هي التي تصنع التميز دوما، كما أن الالتزام بهذه المعايير يخرج الهواة من معادلة العرض، ما يسهم في تحسن العوائد بدرجة كبيرة، لكن كيف يميز المستهلك للخدمة أو السلعة تلك الخدمات المميزة عن غيرها، فالأصل أننا لن نستطيع التمييز بين الجودة وغيرها إلا بعد استخدام الخدمة أو السلعة، وهذه الطريقة مكلفة على المستهلكين، ذلك أنهم يعتمدون على مقاييس التجربة والخطأ عند شراء السلع للحكم على الجودة، ما قد يتسبب في خسائر كبيرة حتى الوصول للأفضل بعد تراكم الخبرات، من هنا نشأت فكرة "جوائز التميز" التي يحق لمن حصل عليها وضعها كشهادة له وعلى كل منتجاته، ما يسهم في تقليص تكلفة التجربة على المستهلك، حيث يعتمد على هذه المؤشرات للحصول على السلع الفضلى مباشرة ولو كانت أعلى سعرا، لأنها توفر عليه مصروفات البحث والهدر الذي تسببه السلع الرديئة. فجوائز التميز تحقق لكل الأطراف مزايا عدة وتعزز الطلب، لكن ذلك يعتمد على مصداقية الجهات التي تقف خلف هذه الجوائز والمعايير التي تقوم عليها، وتكلفة الحصول على شهادات التميز.
جائزة التعليم للتميز، تمثل إحدى الجوائز التي حصلت على مصداقية كبيرة، نظرا لدقة العمل على المعايير والإجراءات التي تتم للفوز بالجائزة، ولأنها تعمل في مجال يصعب تمييز الفروق في الأداء، وبغض النظر عن قيمة الجائزة المادية، فإن قيمتها المعنوية كبيرة جدا، لأنها تؤكد الاحتراف في العمل التربوي، وتبرز الفارق بين معلم محترف وغيره، وبين المدرسة التي تدار باحتراف وغيرها. والأمر ليس بأقل أهمية للطلاب، فالإعلان عن تميز الطالب سيظل حافزا له ويمده بطاقة للعمل لا تنضب، ويظل مؤشرا للآخرين على مهارات الفائزين وقدراتهم. لذا فإن الجميع بانتظار هذه الجائزة التي تأخرت هذه المرة عن موعدها، ولعل ذلك لخير ينتظر الفائزين بها. ولأن الجائزة تأخرت عن موعدها فقد يكون من المناسب تقديم اقتراح للوزارة بأن يتم منح الفائزين بهذه الجائزة مزايا أخرى، مثل: منح رخصة المعلم بمجرد الفوز بهذه الجائزة، ومنح الاعتماد فورا بمجرد الفوز بهذه الجائزة للمدارس الفائزة، وتعزيز فرص قبول الطلاب في التخصصات التي يرغبونها في الجامعات.
إنشرها