Author

تأملات كونية

|
تأتي مشكلة التعود كإحدى المشكلات التي تحول بين الإنسان والتفكير والتأمل، ومن ذلك تعوده على رؤية الشمس تشرق وتغرب كل يوم، ورؤية السماء التي اعتاد أن يراها باستمرار وغير ذلك من الظواهر الكونية المدهشة التي كان من المفترض أن تكون مصدر تأمل واعتبار وليست أمرا روتينيا لا يستدعي الوقوف عنده، الله -سبحانه وتعالى- وهب الإنسان العقل ليتيح له فرصة التأمل والتفكير في هذا الكون الفسيح الذي يسير وفق نظام دقيق غاية الدقة يشمل ليله ونهاره وشمسه وقمره وكواكبه ونجومه وبحاره وجباله وأوديته، وهضابه، "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون"، والتأمل في الكون يعود بالنفع على الإنسان فيورثه الحكمة ويزرع في قلبه عظمة الخالق، إذ حين يتأمل في هذه المخلوقات العظيمة سيعلم يقينا لا يساوره شك أن خالقها سبحانه لا حدود لقدرته وعظمته، ومن المواقف التي عادة ما تتيح للإنسان التأمل السفر، خاصة إذا كان عن طريق الجو إذ يمكنه ذلك من متابعة الظواهر الكونية بشكل أكثر دقة وإدهاشا وبالذات الرحلات الطويلة، إذ تأسر الألباب رؤية الشمس وهي ترحل تدريجيا حتى يختفي ضوؤها ويأتي الشفق بألوانه الآسرة ليعقبه غشيان الليل البهيم بظلامه الدامس الذي يلف الكون "والليل إذا يغشى"، ثم يتخلل هذا الظلام كوكب مضيء بلون خاص وهو القمر الذي لطالما تغنى به الشعراء حين يكون بدرا، وتتناثر حوله الكواكب وكأنها عقود لؤلؤ، "إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"، ثم ما يلبث المتأمل أن يرى كأن الدنيا بدأت تتنفس، "والصبح إذا تنفس" فيبدأ الضياء الآسر شيئا فشيئا ليعقبه ظهور الشمس معلنة بزوغ فجر جديد، إنه بالاطلاع على الحقائق الكونية ليدهش الإنسان حين يدرك أن الأرض على عظمتها وعظمة مكوناتها وقطرها البالغ 8000 ميل تقريبا ما هي إلا كوكب صغير من المجموعة الشمسية التي بدورها لا تشكل إلا جزءا بسيطا من "درب التبانة" وهي مجرة حلزونية الشكل تشتمل على ما يقدر بمائتي مليار من النجوم، وهذه المجرة ليست سوى واحدة من ملايين المجرات في هذا الكون الفسيح، ليتضح للإنسان أن وراء هذا الكون خالقا مبدعا، "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق".

اخر مقالات الكاتب

إنشرها