"من شارع الهرم إلى" .. حدوتة عائلية مشوقة أقرب للخيال
قصة جديدة وقضايا لم تعهدها الدراما الخليجية، تلك التي احتواها مسلسل "من شارع الهرم إلى"، العمل الذي شغل وملأ منصات التواصل الاجتماعي إعجابا وجدلا ومتابعة، خلال السباق الماراثوني الرمضاني.
منذ الأسبوع الأول، تصدر العمل الدرامي "من شارع الهرم" قائمة الأكثر مشاهدة، وخطف الأنظار بفعل الأزمات والقضايا التي يناقشها، وأداء ممثليه، والجرأة في الطرح، وسرعة الأحداث التي تضمن عدم الملل، والتمطيط الممجوج الذي بات سمة لبعض المسلسلات الرمضانية الطويلة.
ماض مجهول
تتمحور قصة "من شارع الهرم إلى" حول الطبيبة النسائية عبلة، التي تؤدي دورها الفنانة هدى حسين، وهي أم لستة أبناء، والدة متحكمة لكنها جدة عطوف، ترأس مستشفى عائليا يعمل فيه كل أبنائها، وتتحكم في كل ما يدور حولها.
يشارك حسين البطولة نور الغندور، ليلى عبدالله، مرام، خالد البريكي، أحمد إيراج، عبدالمحسن القفاص، لولوة الملا، فرح الصراف، محمد الرمضان، خالد الشاعر، نور الشيخ، إيمان الحسيني، ناصر الدوسري، وبمشاركة الممثلة السورية روعة السعدي وآخرين، في دراما اجتماعية عائلية تعرض على قناة MBC، كتبت تفاصيلها الكاتبة هبة مشاري حمادة، ومن إخراج المثنى صبح، الذي حقق تجربة إخراجية خليجية ناجحة عبر مسلسل العاصوف بأجزائه الثلاثة.
وفي سياق الأحداث، يلف ماضي الطبيبة عبلة كثيرا من الأسرار والغموض، وليس ذلك سوى خيط درامي عريض يسير مع خطوط درامية أخرى تشكل القصة بأكملها، فلكل طبيب من أبنائها قصة مع زوجته وعائلته، لها جوانب اجتماعية وثقافية، وتحت سقف واحد يعيشون جميعا بشكل يعدم الخصوصية لهم، وفي بيئة تسيطر عليها عبلة، فهي من جانب تدير المستشفى، ومنزلا واسعا، يضم ستة أزواج وأحفادها وجيشا من العاملين.
سكر العائلة
لعل ما يزيد الأمور تعقيدا في المسلسل الذي جرى تصويره في الإمارات، هو أن زفاف أحد الأبناء الستة تحييه راقصة، قررت عدم العودة إلى بلادها لتحقيق غاية في نفسها، تتكشف شيئا فشيئا.
ومن خلال هذا الدور، تقدم نور الغندور دورا جديدا عليها ومختلفا عن جميع أدوارها السابقة، إذ تشاء الأقدار أن تكون هذه الفتاة المصرية في قلب منزل مليء بالأحداث، تقدم شخصية مشاكسة لكنها تحمل حسا فكاهيا عاليا، تمثل مفتاحا رئيسا في المسلسل، إذ تحرك عديدا من الأحداث في الخفاء، تضحك معها مرة وتشفق عليها مرة أخرى، لتصبح "سكر العائلة" كما تصف الغندور نفسها.
أحداث متشابكة
للكاتبة هبة مشاري حمادة سوابق وتاريخ مع الأفكار الجريئة والقضايا الاجتماعية غير المطروقة، من خلال أعمالها دفعة القاهرة، دفعة بيروت، زوارة خميس، سرايا عابدين وغيرها، وفي جديدها هذا العام تناقش مواطن الخلل في عدد من القضايا والحالات الاجتماعية، مرورا بنموذج الرجل البخيل، وابن مزواج، ووصولا إلى الابن الذي اختار الزواج من طليقة أخيه، ووضع ولدي أخيه في أزمة نفسية، وبات يحاول أن يخرج بهذا الزواج إلى العلن.
كانت هذه القصص وغيرها مثار جدل واتهامات للعمل بعدم الواقعية، إلا أنها واردة الحدوث، وتعكس واقعا وإن كان في حالات ضيقة ونادرة، جاءت في إطار أحداث متسارعة ومتشابكة، بعيدا عن التمطيط الممل، وفي الوقت ذاته، كانت المواقف الطريفة حاضرة وبقوة في المسلسل.
تفوقت النجمة هدى حسين على نفسها من خلال "من شارع الهرم إلى"، فقد حضرت التقلبات النفسية والعاطفية في أدائها، وفي مشاهد عدة مزجت بين المشاعر المتناقضة، لا سيما حينما جاءت لتشتكي معلمة حفيدها إلى مديرة المدرسة، وفي فورة الغضب دهم المخاض تلك المعلمة الحامل، وتمكنت الطبيبة عبلة من توليدها مباشرة في المدرسة، لتكتشف لاحقا أنها زوجة أحد أبنائها، ليكون رد الفعل متباينا، "ضحك كالبكاء" كما يصفه أبو الطيب المتنبي في شعره.
معطيان في حدوتة معاصرة
يبدأ عنوان المسلسل بمنطقة جغرافية معلومة، لكنه لا يكشف عن مصير النهاية، في أسلوب جديد تقول عنه الكاتبة هبة مشاري حمادة إنه يحمل أكثر من احتمال، فعبارة "من شارع الهرم إلى" قد تتمثل في مكان أو إنسان.
وقالت في تصريح صحافي حول المسلسل إنه يحمل منحى جديدا بمعطى تجاري وآخر اجتماعي، فنحن أمام عائلة تعمل في القطاع الطبي، وإلى أي مدى يمكن أن تتحول هذه المهنة الراقية من خلال الوصايات المادية إلى عمل تجاري بحت، أما المعطى الثاني فهو مجتمعي إذ يسلط الضوء على مسألة وصاية الأم على أبنائها الستة وزوجاتهم وأبنائهم وبناتهم، فهم يعيشون في منزلها ويعملون في القطاع الطبي في المستشفى، وبالتالي لا يوجد عند هؤلاء أي نوع من أنواع الخصوصية، لا في العمل ولا العائلة، لكن كل من هؤلاء الأبناء سيكون له مستوى قصصي خاص ومستقل في المسلسل، ويتجه العمل إلى مكان جريء وصادم وجدلي، كل ذلك في إطار عمل عائلي يحمل حدوتة معاصرة وعناصر جذب درامية عدة.
لكل شخصية من شخصيات العمل صفاتها وقصتها وتحولاتها الدرامية، لا يكاد المشاهد يصدر حكمه على شخصية حتى يتغير رأيه عنها في الحلقة التالية، إذ كانت هبة حمادة تبرع في رواية الحكاية من الشرق والغرب، ضمن أسلوب يمنح المشاهد رؤية الحقيقة مجردة في المحصلة، وإن كانت أحيانا غير قابلة للتصديق، لكنها الدراما التي يجوز لها ما لا يجوز في غيرها.
نهاية محتملة
في المسلسل الذي يشارف على حلقاته الأخيرة، تنبأ مشاهدون بنهاية المسلسل، ورجحوا صحة روايتهم بناء على تصريح سابق للفنانة هدى حسين، حينما أبدت استعدادها لتجسيد شخصية "خاطفة الدمام"، القصة الواقعية التي هزت المجتمع السعودي قبل أكثر من عامين، وتمكنت امرأة تعمل طبيبة في إحدى المستشفيات من خطف ثلاثة أطفال في التسعينيات، لتربيهم مع ابنها الوحيد، وقبض عليها عند محاولتها استخراج بطاقات هوية لهم.
ومما زاد شكوك المتابعين على منصات التواصل هو حاجة الطبيبة عبلة إلى زراعة كبد، في وقت لم تطلب فيه من أحد أبنائها الستة أن يتبرع لها، ما يثير الشك أنهم ليسوا أبناءها، ولا صلة جينية بينهم، فيما لا تزال الحقيقة خافية لم تكشفها الأحداث حتى اللحظة.