Author

أمن التعدين

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تحدثنا في المقال السابق عن الأمن، حيث تعدى من حيث المفهوم العسكري البحت إلى مفاهيم أخرى لتشمل الطاقة والماء والغذاء والبيئة وغيرها، وكيف أن الأمن القومي اتسع مفهومه إلى أمن العرض وتوافر سلاسل الإمداد بتكاليف مقبولة.

ولقد كانت الأزمة الروسية الأوكرانية بمنزلة ناقوس خطر لبعض الدول في أمن الطاقة والغذاء وغيرهما.

وبالنظر إلى صناعة التعدين العالمية، فمن المرجح أن تؤدي الأزمة الروسية الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار سلع التعدين علاوة على ضغوط التضخم المستمرة، حيث تمتلك أوكرانيا احتياطيات جيدة من الفحم والبترول والغاز الطبيعي وخام الحديد والمنغنيز والجرافيت والكبريت والكاولين والتيتانيوم والنيكل والمغنيسيوم والزئبق، لكن تعد روسيا من أغنى الدول بالموارد الطبيعية في العالم، مثل البترول والغاز الطبيعي، والمعادن الثمينة مثل: النحاس والألماس والرصاص والزنك والبوكسيت والنيكل والقصدير والزئبق والذهب والفضة، كما تحتل المراتب الأولى بين المنتجين في العالم لمجموعة واسعة من السلع المعدنية مثل: الألمنيوم والزرنيخ والأسمنت والنحاس والمغنيسيوم والنيتروجين والبلاديوم والسيليكون والنيكل والفاناديوم. وللإحاطة فإن المملكة تستورد معدن النحاس ومنتجات السيراميك وكربونات الصوديوم وغيرها على الرغم من عدم تأثرها بالأزمة الروسية الأوكرانية كثيرا.

ولقد تطرقت وسائل الإعلام المختلفة إلى أمن الطاقة والغذاء كثيرا بيد أن صناعة التعدين تكاد تكون هي الأقل إن لم يتحدث أحد عن أمن التعدين Mining Security. وهذا المفهوم اقتصر حاليا على السلامة والحماية من المخاطر الناجمة من العمل حيث يجمع إدارة أمن التعدين بين جوانب أمنية مختلفة، مثل حراسة المنشآت ومراقبة الدوائر التلفزيونية والتحكم بالمناجم وأمنها والحماية من الحرائق وأجهزة الإنذار وغيرها.

لكننا نرى أن أمن التعدين قد يأخذ بعدا آخر كما سنوضح في هذا المقال.
تشمل سلسلة قيمة التعدين استخراج المواد الخام إلى تسليم المنتجات للعملاء، والأخيرة هي العمود الفقري للصناعة. حيث يمكن للشركات التي تدير سلسلة القيمة الخاصة بها بشكل جيد أن تنشئ مصدرا مهما للميزة التنافسية وإيجاد القيمة. وعلى النقيض من ذلك، قد يواجه أولئك الذين يهملون سلسلة القيمة الخاصة بهم اختناقات وقيودا من شأنها أن تحد من إنتاجية الشحن وتقلل من أرباح الشركة.

وتواجه سلاسل قيمة التعدين ضغوطا من التحولات الأخيرة في أسواق السلع مثل تقلبات الأسعار القوية وانخفاض القيمة وتغيير هياكل السوق مع دخول شركات جديدة وسن اللوائح المشددة. ولقد أوجدت الأزمة الروسية الأوكرانية - وقبلها جائحة كورونا - حالة عدم اليقين في أسواق المعادن في ظل استمرار المخاوف البيئية.

وعليه استمر سن سياسات تنظيمية مشددة ما وضع الشركات تحت ضغوط غير مسبوقة وسلبها القدرة على المنافسة. وحيث إن الطاقة والصناعة تمثلان الأكبر في طلب المعادن، يأتي مفهوم أمن التعدين لتأمين سلاسل الإمداد في المعروض من المعادن، ولا يتحقق الأمن التعديني إلا في حال توافر موارد التعدين بأسعار مناسبة للعملاء الذين هم بالطبع أرباب الطاقة والصناعة.

وسينعكس ارتفاع أسعار المعادن على منتجات الطاقة والصناعة، خصوصا المعادن التي تحتكرها روسيا وأوكرانيا معا مثل النيكل والألمنيوم والبلاديوم.

وعليه، تكمن أهمية دراسة ملف أمن التعدين، إسوة بأمن الطاقة والغذاء، من أجل استدامة صناعة التعدين بتكاليف معقولة ومعرفة المعادن التي يحتاج إليها البلد حاليا ومستقبلا وسبل تأمينها سواء داخليا أو خارجيا مع ضرورة دراسة إدارة المخاطر والأزمات، ولعل هذا الدور ينطوي على وزارة الصناعة والثروة المعدنية بمشاركة وزارة الطاقة. لكن تحتاج شركات التعدين إلى اعتماد نموذج أعمال مستدام من خلال التصور الاستباقي لدور هذا النموذج وتشكيله في نظام بيئي متكامل وشامل.

إنشرها