الفقر العالمي يتمدد في الحروب
تؤكد مراكز الأبحاث أن معدلات الفقر العالمي زادت بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، بل إن الأرقام تتصاعد وتؤكد أن هذه الحرب لم تلحق دمارا في الحجر فقط، بل إنها رفعت معدلات الفقر في العالم أعلى من كل التوقعات.
من ناحية أخرى، فإن النزوح الأوكراني إلى دول الجوار يعني أن مجتمعات مليونية تتحرك من أوكرانيا بعد أن تعرضت لاستنزافات مالية واقتصادية شديدة.
الأكثر من هذا أن نسب التضخم في كل دول العالم ترتفع مع استمرار الحرب، وتتعرض دخول الطبقات الفقيرة والمتوسطة في العالم إلى الانخفاض النقدي وليس الكمي فحسب، فضلا عن الإجراءات الوقائية التي يتخذها كثير من دول العالم الثالث برفع أسعار بعض السلع الاستراتيجية، كالبنزين والغاز والمواد الغذائية، وبالذات الخبز، ووسط هذه الاستنزافات تضطر الحكومات إلى إقرار مزيد من الضرائب على كثير من السلع والخدمات.
كل هذه الإجراءات تتسبب في ارتفاع الأسعار، وانخفاض القيمة الشرائية للعملات المحلية وكذلك الدولية على السواء.
يضاف إلى ذلك، فإن انتشار الفقر سيؤدي إلى انتشار الجريمة وغياب الأمن في الدول الفقيرة، ما يؤدي إلى مزيد من الفقر والعوز في هذه الدول.
ورغم أن الخطابات الحماسية التي تطلقها بعض المؤسسات الدولية عن الفقر هي مجرد محاولة للتخفيف من خطورة انتشاره، لأن الفقر يزحف فوق البشر، ويعصف بحياة كثير من الناس. في الشهر الماضي، نشرت منظمة "أوكسفام" الخيرية البريطانية تقريرا مؤلما عن الفقر جاء فيه أن ربع مليار نسمة سيدخلون دائرة الفقر المدقع في 2022، بمعنى أن جزءا كبيرا من سكان العالم سيدخل في دائرة الفقر ويعيش حياة فقيرة عابسة وبائسة.
وتوضح "أوكسفام" أن جائحة كوفيد - 19، وارتفاع أسعار المواد الغذائية من جراء الحرب الروسية - الأوكرانية، سيؤديان إلى انضمام 263 مليون بني آدم إلى دائرة الفقر المدقع والمدمر، وهو رقم يوازي سكان المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا مجتمعين.
من ناحيته، فإن البنك الدولي توقع أن تدفع الجائحة والحرب نحو 1980 مليون بني آدم إضافي إلى هوة الفقر المدقع في 2022، وستؤدي هذه الأرقام المخيفة إلى تغيرات بائسة ومؤسفة في الجسد الإنساني وفي التركيبة السكانية للعالم.
واضح مما سبق، أن أرقام المؤسسات الدولية والخيرية مؤلمة، ذلك أنه إلى جانب الفقراء الجدد، هناك بالفعل ملايين من البشر يعانون مستويات ضعيفة من الحياة الفاقدة للحياة الكريمة سواء في شرق إفريقيا وغربها، أو اليمن، وسورية، وقد يصل عدد الأشخاص الذين يعانون نقص الغذاء، إلى 827 مليونا في 2022، وهو رقم سيؤدي إلى كثير من الفقد والضياع البشري والإنساني.
إن تقرير "أوكسفام" يثير قلقا في دهاليز المنظمات الدولية المعنية بمحاربة الفقر، ذلك أنه من المتوقع أن تتوقف بعض الدول الفقيرة عن سداد ديونها لكي تستطيع توفير الخبز لسكانها وتوفير أبسط لوازم الحياة، وبالذات الحاجات التي يحتاج إليها النساء والأطفال.
إن علماء الاجتماع يؤكدون أن الفقر آفة من الآفات المدمرة للشعوب والأمم، ولذلك فإن العالم الحر كثيرا ما أعد عدته لمحاربة الفقر بكل العتاد والعدة، وتعد منظمة الأمم المتحدة أنها معنية جدا بمحاربة الفقر في المجتمعات الإنسانية في كل زمان ومكان.
ولذلك يقولون إذا حل الفقر في بلد، فإن المآذن في المساجد تنادي، وإن الأجراس في الكنائس تقرع من أجل محاربة هذا الكابوس المدمر الذي يتوعد المجتمع بالويل والثبور.
ويقول علماء الاجتماع أيضا إن المجتمع الذي يفترسه الفقر سيتحول إلى مجتمع تنتشر فيه الجريمة والإرهاب، ولذلك فإن المنظمات الدولية التي تهتم بالأمن والسلم الدوليين تهتم جدا بمحاربة الفقر، لأن الفقر كالحرب عدو للأمن والسلم الدوليين.
إن الدول تقيس مستوى تطورها من خلال تنفيذ المشاريع والبرامج الرامية إلى رفع معدلات التشغيل، ولذلك تراهن الدول المتقدمة على توفير الوظائف ورفع معدلات العمالة من أجل مكافحة على الفقر.
بمعنى أن مكافحة الفقر هو هدف استراتيجي من أهداف الدول التي تسعى إلى رفع مستوى معيشة أهلها، أما الدول التي لا تستطيع رفع مستوى معيشة أهلها، ورفع معدلات التشغيل، فإنها تتعرض لأمراض الفقر الذي ينخر في أوصالها ويجعلها عرضة لأمراض الفقر.
الخلاصة، إن المطلوب من الحكومات أن تسعى دائما إلى توفير الوظائف ورفع نسب التشغيل لأبنائها من أجل مكافحة آفة الفقر.