Author

العواصف الترابية .. مصادرها وخطورتها

|
في بداية موسم الربيع لهذا العام ازداد حدوث العواصف الترابية بدرجة ملحوظة. فتكرارها يختلف من عام لآخر، لكنها تزداد عموما في الفترات الانتقالية بين الفصول، خاصة فصلي الربيع والخريف، وذلك لأسباب كثيرة، بعضها طبيعي وأخرى ذات طبيعة بشرية، أي من فعل الإنسان. والعواصف الترابية هي رياح سريعة تنقل الغبار والعوالق مسببة انعدام الرؤية على مسافات قصيرة. وعلى الرغم من الجدل الكبير حول أسباب العواصف الغبارية أو الترابية وتحميل البعير المسؤولية الكاملة لحدوثها، كما ورد في أحد مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الأسباب لا تقتصر على البعير المسكين وحده، ولو أنه أحد الأسباب! فأسباب العواصف الترابية أو الغبارية كثيرة، منها: (1) التصحر نتيجة الجفاف الناتج عن انخفاض معدل هطول الأمطار. (2) التصحر بسبب أنشطة الإنسان المرتبطة بالرعي الجائر نتيجة زيادة أعداد الحيوانات من إبل وأغنام على قدرة المراعي. (3) الأنشطة الزراعية الواسعة، خاصة حرث الأرض وتركها مكشوفة لفترات طويلة. (4) تحريك التربة نتيجة الأعمال الإنمائية والعسكرية ومسارات السيارات العبثية في الصحاري التي أدت إلى تكسير التربة وتفكيكها وتدمير الغطاء النباتي. (5) انخفاض منسوب المياه الجوفية السطحية، ما أدى إلى جفاف التربة ومن ثم التأثير في الغطاء النباتي.
وعلى المستوى العالمي، تعد الصحراء الكبرى في إفريقيا المساهم الرئيس في حدوث العواصف الترابية في كوكب الأرض، التي تنتقل إلى الأمريكتين عبر المحيط الأطلسي عن طريق الرياح الشرقية الاستوائية. لكن الهلال الخصيب أصبح أيضا مصدرا من مصادر الغبار، بسبب انخفاض الإنتاج الزراعي إلى النصف نتيجة التغيرات المناخية. ويعد العراق أحد مصادر العواصف الترابية نتيجة انحسار مستوى الأنهار، ما أدى إلى جفاف الأهوار والبحيرات في العراق وإيران، ويضاف إلى قائمة المصادر صحاري المملكة المكشوفة التي تعاني التدهور البيئي نتيجة العبث البشري من رعي جائر واحتطاب ونحوه.
وتعد العواصف الترابية أحد العوامل المسؤولة عن زيادة تفاعلات الحساسية، ونوبات الربو ومشكلات التنفس المزمن، وكذلك الأوعية الدموية وأمراض القلب. والعواصف الترابية أيضا ناقلة للكائنات الحية الدقيقة، وتشمل البكتيريا والفطريات والجراثيم والفيروسات المسببة لبعض الأمراض. إلى جانب ذلك، فإن للعواصف الترابية آثارا اقتصادية، فهي تؤثر سلبا في الإنتاج الزراعي من خلال نقل الآفات الزراعية، وتقليل نشاط التمثيل الضوئي، وتدمير المحاصيل، وكذلك تؤثر في البنية التحتية، من خلال تقليل الرؤية، وتعطيل أنظمة الطاقة والنقل الجوي والبري، ودفن السكك الحديدية، وكذلك الإسهام في تدهور أداء ألواح الطاقة الشمسية، إلى جانب الإضرار بالممتلكات السكنية.
ولا شك أن العواصف الغبارية وزيادة تكرارها ناقوس خطر تتطلبان الاستجابة السريعة من خلال إعادة النظر في الأنظمة البيئية، وضرورة رفع الوعي البيئي لدى السكان، وتنظيم مواسم الرعي بناء على تحديد القدرة الرعوية لكل منطقة، إلى جانب إيجاد حلول مبتكرة لتخفيف وطأة التصحر تستفيد من التقدم التقني الهائل.
وأخيرا، يستنتج مما سبق أن المشكلة لا تخص دولة بعينها، لكنها مشكلة إقليمية تتطلب تضافر الجهود. من هذا المنطلق، جاءت مبادرة الشرق الأوسط الأخضر من قبل الأمير محمد بن سلمان، لتصميم حلول مبتكرة للتصدي للتغير المناخي، وتعزيز الاستدامة البيئية، من خلال عدد من المشاريع، منها: زراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، واستصلاح 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة عن طريق التشجير، ما يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية في العالم 2.5 في المائة.
إنشرها