Author

مجير أم عامر

|
تعد الأمثال جزءا من ثقافة الشعوب وهويتها، فلا تكاد تجد أي ثقافة إلا ويكون للأمثال فيها نصيب كبير، فمن خلالها يتم اختصار المراد وتوضيح المقصود بأقصر جملة وأوضح عبارة، فهي حكم عظيمة ملهمة اختصرت في كلمات بسيطة. وقد ضربت الأمثال في القرآن الكريم والسنة النبوية. ومن الأمثال الدارجة عند العرب فيمن يصنع المعروف لمن لا يستحقه أو لمن تخشى غوائله قولهم: أنت مثل "مجير أم عامر". ولهذا المثل قصة توردها كتب التراث بأن هناك مجموعة رجال خرجوا إلى الصيد فظهرت لهم أنثى الضبع التي تلقب عند العرب بـ"أم عامر" فقاموا بمطاردتها فلجأت إلى بيت أعرابي وهي مرهقة مجهدة، فأدخلها خباءه وأمنها وقدم لها الطعام والماء واللبن. فجاء الصيادون يطالبون بتسليمها فأبى أن يسلمها لهم، وذلك لأن من عادات العرب المتأصلة حماية المستجير بهم، فانصرفوا. وخلد الأعرابي إلى النوم والضبع في بيته، فما كان من هذا الحيوان المفترس إلا أن انقض على من آواه وأكرمه فقتله شر قتلة. وفي الصباح انتشر خبر قتل الضبع لمن أجارها، فقرر أصدقاؤه مطاردتها والنيل منها، وبالفعل تتبعوا آثارها حتى وجدوها فقتلوها. وعندها أنشد أحدهم قصيدة أصبحت مثلا متداولا يقول فيها:
ومن يصنع المعروف في غير أهله
يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
أدام لها حتى استجارت بقربه
طعاما وألبان اللقاح الدرائر
وسمنها حتى إذا ما تكاملت
فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من
بدا يصنع المعروف في غير شاكر
إن بذل المعروف أمر مرغب فيه وخصلة حميدة، لكن تكمن المشكلة في أن إكرام اللئيم دنيء النفس ينقلب عادة سوءا ومكرا على من أسدى إليه ذلك المعروف، وهنا مربط الفرس فقد قيل:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
إن من أسوأ مظاهر النكران وعدم رد الجميل ما يقوم به بعض الأشخاص من عدم تقدير لما قدمته لهم بلادهم من خير وما أسبغت عليهم من نعم، ثم يقابلون ذلك بالجحود والنكران مشابهين في ذلك سلوك "أم عامر" التي قد نعذرها لأنها حيوان هذا طبعه، لكن مثل أولئك لا يعذرون، ولكن من المقرر أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله وعلى الباغي تدور الدوائر.
إنشرها