الأجر بدلا من الهدر

إحدى جمعيات القطاع الثالث في بلدي، أثارت انتباهي للاستفادة منها، ومن ثم إعجابي بأدائها بعد تجربة التعامل معها. إنها جمعية "تدوير" الوقفية الخيرية، التي تساعد المحتاجين أولا، ثم هي تساعدنا جميعا، وهي أيضا تساعد الكوكب والبيئة وأمانات المدن وشركات النظافة والعاملين فيها.
جمعية تدوير تستقبل منكم كل ما يفيض عن حاجتكم أيا كان نوعه من أثاث وملابس ومعدات وأحذية وكتب وبلاستيك وأجهزة إلكترونية وطعام وتحف وورق وغيرها، تقوم بإعادة تأهيله، ثم بيعه، والاستفادة من ريعه بإقامة مشاريع وقفية تظل مساهمتك فيها أبد الدهر، ومثال ذلك: صيانة المساجد، سقيا الماء، وإقامة المكتبات.
هي لافتة في مستوى الخدمة، رغم أنها منظمة غير ريحية، مستوى الخدمة الذي فاق كثيرا من الجهات الربحية، فمنذ اتصالك الأول بهم يتابعون معك عبر الوسيلة التي تختارها كل التفاصيل إلى حين انتهاء مهمتهم، بمواعيد دقيقة وواضحة، وعنصر بشري ملتزم، وموظفين وموظفات مميزين في خدمة المتبرعين، وأحسبهم كذلك في كل عملهم.
في كل مرة تجدد شيئا في منزلك أو مستلزماتك الشخصية تعتقد أن هذا القليل الفائض عن حاجتك لا يستحق محاولة التبرع به، إلا هذه الجمعية توفر لك خيارات السيارات الصغيرة والكبيرة لتأتي إليك، وخيارات الخدمة المجانية المجدولة، والخدمة المدفوعة إذا كنت مستعجلا، وهذه الخدمة المدفوعة ثمنها أقل بكثير من سعر السوق فيما لو استأجرت شاحنة نقل لتنقل أشياءك إلى أي مكان تريد.
يلجأ كثيرون إلى رمي أشيائهم المستعملة في حاويات النفايات، وهذا تصرف خاطئ في وجود مثل هذه الجمعية وغيرها، ولاحظ أن هناك معنيين ساميين مهمين في اسمها، التدوير وهذا مهم جدا للبيئة والكوكب وجودة حياة الإنسان، والوقفية وهذا يعني أجرا دائما لك اكتسبته من تصدقك بأثاث جيد، أو ملابس لا تزال حالتها ممتازة، وعلى ذلك قس، وتبرع.
هذه الجمعية توجد فرص عمل جديدة، وتقلل التلوث، وتحمي الموارد الطبيعية من الاستنزاف، وتحفز المجتمع على فهم وممارسة التدوير، ولعل هذه مهمة جدا في ظل حمى الاستهلاك، إنها ببساطة، وكما هو شعارها، تنتقل من الهدر إلى الأجر.
يوما بعد يوم تتطور ثقافة المنظمات غير الربحية، وهذا مؤشر اجتماعي واقتصادي مهم يصب في التنمية وتحقيق الطموحات والآمال التي جاءت بها "الرؤية السعودية" التي خصصت أهدافا كثيرة وكبيرة لهذاالقطاع، وهذا التطور يتسق مع النضج المجتمعي المتنامي، والوعي الذي تحرر من بعض التنميط وكثير من المفاهيم "غير الواقعية".
شكرا "تدوير"، شكرا رؤيتنا الجميلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي