Author

سلطان الأباريق

|

يحكى أن رجلا كانت وظيفته الإشراف على أباريق عمومية، كانت منتشرة في فترة من الفترات، ليتأكد من أنها مليئة بالماء، بحيث يأتي الشخص ويسلمه هذا المشرف أحدها ثم إذا فرغ منه أعاده ليملأه لشخص آخر، وهكذا. في إحدى المرات جاء شخص وكان مستعجلا، فأخذ أحد الأباريق وانطلق، فما كان من مسؤول الأباريق إلا أن صرخ عليه آمرا إياه بالعودة، وأن يضع الإبريق الذي أخذه ليسلمه هو إبريقا آخر مماثلا له تماما. فاستغرب الرجل وسأل: لم أمرتني بالعودة وأعطيتني إبريقا آخر مع أنه لا فرق بينهما؟ فأجابه مسؤول الأباريق، إذا أخذ كل شخص إبريقه بنفسه، فما دوري إذن؟! إن سلطان الأباريق هذا نموذج واضح لأي موظف لا توجد قيمة حقيقية لعمله، ولا أهمية فعلية لما يقوم به وأنه يمكن الاستغناء عنه، لكن لأن سلطان الأباريق يريد أن يشعر بأهميته ورغبته في التحكم في الناس بالأمر والنهي، فقد تصرف بهذه الطريقة. وبالتأمل والنظر يتضح وجود كثير من الموظفين ممن يشبهون سلطان الأباريق ويعقدون مصالح الناس ويعمدون إلى تأجيلها ليظهروا للآخرين أهمية ما يقومون به، علما أنه يمكن أن تنجز المعاملات التي لديهم ببساطة، لكنها عقدة الإحساس بالنقص التي يعانونها. وقد غاب عن مثل هؤلاء حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به". إن التشبع بثقافة سلطان الأباريق يعد مرضا اجتماعيا خطيرا ومسلكا سيئا تنعكس آثاره بوضوح على الأفراد والمجتمعات، ولذا فمن المهم مقاومة مثل هذه الظاهرة وعدم السماح بوجودها خاصة في ظل الإمكانات الكبيرة للتقنية الحديثة التي يمكن من خلالها اختصار الإجراءات، ما يضعف المرض الذي يسميه علماء الاجتماع "تضخم الأنا"، لأنه ما لم يتم تحجيمه والحد منه، فقد يجر معه أمراضا اجتماعية أخرى يصعب علاجها. إن تبسيط الأمور وتسهيلها ليس من شيم الضعفاء، كما يتصور البعض، بل هو من شيم الكرام الأقوياء. ولذا، فنحن ومجتمعاتنا في أمس الحاجة إلى التخلص من عقدة سلطان الأباريق.

إنشرها