Author

رفع سعر الفائدة ومنتجات التمويل الإسلامي

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
في خبر متوقع في الاجتماع الأخير لـ"الفيدرالي الأمريكي" رفع سعر الفائدة ربع نقطة. بطبيعة الحال يأتي هذا الرفع لمواجهة التضخم وبعد التحسن للظروف الاقتصادية إجمالا التي كانت سببا في خفض أسعار الفائدة لهذا المستوى، بسبب الأزمة التي خلفها وباء كوفيد ـ 19 خلال الفترة الماضية. يأتي اهتمام العالم بهذا الموضوع لأن رفع أسعار الفائدة له أثر في أنشطة اقتصادية متعددة من أهمها قطاع الأسهم والعملات والأصول، ومنها الأصول العقارية وأسعار السلع والمعادن النفيسة التي يمكن أن تتأثر بشكل واضح من ارتفاع أسعار الفائدة، لأنها تؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة الأمريكية "الدولار"، وبالتالي سيزيد ذلك من الإقبال على أدوات الدين لارتفاع أرباحها ومجموعة من الأموال يمكن أن تتحول من الأصول والسلع والمعادن النفيسة لتستثمر في أدوات الدين، خصوصا أنها حققت نتائج جيدة في تلك الاستثمارات خلال الفترة الماضية.
كثير من المراقبين يرون أن القرار متوقع ويتوقع أيضا خلال الفترة المقبلة أن تكون هناك مجموعة من الارتفاعات في أسعار الفائدة، وقد تبلغ خلال هذا العام حدود 2 في المائة، وهذا الرفع في أسعار الفائدة يؤثر في أمرين مهمين وهما الارتفاع الكبير في الأسعار الذي ولد تضخما عالميا خصوصا في الولايات المتحدة التي وصل التضخم فيها نحو 8 في المائة، وذلك بسبب انخفاض معدلات الفائدة الذي شجع على الاقتراض، وبالتالي ضخ هذه الأموال في الأسواق، كما نتج عن انخفاض أسعار الفائدة تحويل الأموال عن الاستثمار في أدوات الدين، وبالتالي ارتفاع في قيمة الأصول أضيف إلى أسعار السلع الذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج ومن ثم ارتفاع الأسعار والتضخم.
وهنا يمكن أن يرد تساؤل يتعلق بالتمويل الإسلامي وأثر رفع أسعار الفائدة في المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة. بطبيعة الحال العلاقة بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي وإن كانت متباينة فيما يتعلق بالمصادر والقيم، إلا أن هناك علاقة وثيقة بينهما في الحركة والنشاط وهما يتأثران بشكل مباشر برفع أسعار الفائدة للبنوك المركزية.
التمويل الإسلامي بدأ منفصلا عن التمويل التقليدي في المنتجات وفي الشريحة المستهدفة لهذه المنتجات، إلا أنه مع النجاح الكبير الذي حققه التمويل الإسلامي خلال الفترة الماضية، حيث ارتفعت أصوله إلى حدود تريليوني دولار، وينمو سنويا بشكل كبير، بحيث أصبح يشكل جزءا صغيرا من حجم القطاع المالي عالميا، إلا أنه ينمو أعلى سنويا من حجم القطاع المالي، وما زالت الفرص كبيرة للتمويل الإسلامي ليحقق نسبا جيدة للنمو، ونتيجة للنمو الذي حققه التمويل الإسلامي سنويا عزز من فرص تنافسيته مع التمويل التقليدي، بحيث أصبحت المنتجات التي يقدمها التمويل الإسلامي لها رواج لدى المؤسسات المالية التقليدية، خصوصا منخفضة المخاطر مثل الصكوك الإسلامية وكذلك المصارف لكثير من المستثمرين الذين يبحثون عن فرص استثمارية جيدة، والظروف الاقتصادية وتقلباتها جعلت الاستثمار في أدوات التمويل الإسلامي آمنا نسبيا خصوصا أنه يعتمد على السلع، وهذا الأمر كان أثره واضحا خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث كان التمويل الإسلامي أقل تضررا من الأزمة. ولذلك نجد أن التمويل الإسلامي خلال العقدين الماضيين أصبح يتأثر بما يتأثر به التمويل التقليدي فيما يتعلق بتكلفة المنتجات وتقلبات أسعارها، والسبب في ذلك التنافسية العالية بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي، والمستثمرون عندما تكون لهم رغبة في الحصول على تمويل، فإنهم يبحثون عن التكلفة المنخفضة سواء التمويل الإسلامي أو التقليدي، ولكي يستفيد التمويل الإسلامي من هذه الشريحة من المستثمرين يضطر أن يجاري العوامل التي تؤثر في التمويل التقليدي ليقدم منتجا منافسا، وهذا بالتالي ينعكس بصورة إيجابية على نتائج أعمال المؤسسات المالية الإسلامية. من المعلوم أن هناك دراسات حاولت البحث في طبيعة وحركة التمويل الإسلامي التي تختلف عن معدل الفائدة البنوك المركزية ولكن من الناحية التطبيقية يصعب الاعتماد على هذه المؤشرات باعتبار أنها لا تتفق مع اتجاهات المستثمرين وقد لا تفيد كثيرا المصارف التي تقدم التمويل المتوافق مع الشريعة باعتبار أنها بدأت حاليا في دخول مرحلة التنافسية مع التمويل التقليدي.
هنا يرد سؤال هل يجب على المؤسسات المالية الإسلامية في خياراتها المتعلقة بمؤشرات أسعار الفائدة الاعتماد على الأسلوب المعمول به في المؤسسات التقليدية؟ هذا السؤال يمكن أن يجد أهمية في مرحلة ما خصوصا أن التمويل الإسلامي مرن ومتنوع وأسلوب عمله يناسب مؤسسات غير المصارف ولذلك العمل للوصول إلى مؤشر مناسب أو آخر لا يمكن تجاهله أو التقليل من أهميته، ولكن لا يكون بالضرورة شرطا لسلامة منتجات المالية الإسلامية.
الخلاصة "الفيدرالي الأمريكي" بدأ رفع أسعار الفائدة بشكل طفيف وتتبعه خلال هذا العام إجراءات رفع للفائدة أكثر من مرة وخلال العام المقبل قد يؤدي إلى كبح جماح التضخم، كما أنه يتوقع أن تتأثر معه تكلفة التمويل والإقراض الذي يؤثر بدوره في التمويل المتوافق مع الشريعة، حيث إنه رغم التباين بين مصادر قيم التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي، إلا أن هناك علاقة فيما يتعلق بالمؤشرات الخاصة بالفائدة التي تصدر عن البنوك المركزية، وهذا يؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل ما يزيد فرص الزيادة في أرباح المؤسسات المالية الإسلامية والنمو لحجم التمويل الإسلامي خلال الفترة المقبلة.
إنشرها