Author

تحديات الأمن الغذائي في الحروب والأزمات

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
الحرب الروسية - الأوكرانية تعد أزمة جديدة في ظل النظام العالمي الحالي الذي تطور باتجاه التداخل في النشاط التجاري ومنظمة التجارة العالمية والعولمة بجميع صورها، بما فيها العولمة الاقتصادية وتداخل في الأنشطة التجارية والاقتصادية بمختلف أشكالها وصورها، إذ إن العالم لم يشهد بعد الحرب العالمية الثانية مواجهة شبه مباشرة بين القوى العظمى بالصورة التي نشاهدها اليوم في الحرب الروسية - الأوكرانية، ورغم أن العالم مر بحروب طويلة ومؤثرة، إلا أن الصورة مختلفة اليوم، فحجم العقوبات التي تم فرضها على روسيا الاتحادية من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى حليفة، كبيرة وبالتالي أدى ذلك إلى ردود فعل مشابهة من روسيا الاتحادية والعالم يشهد اليوم ارتفاعات كبيرة في أسعار الغذاء والسلع والطاقة والمعادن بشكل غير مسبوق في العصر الحاضر، وهذا يأتي بعد الأزمة الكبيرة التي شهدها العالم على مدى عامين بسبب وباء كوفيد - 19 ومتحوراته في العالم.
الحديث اليوم في العالم عن الحالة التي وصل إليها العالم من التعقيدات الخاصة بالحركة والنشاط الاقتصادي والارتباط الكبير بين دول العالم، فيما يتعلق بكثير من السلع والخدمات التي جعلت من العالم أشبه بالقرية الواحدة، وأي نوع من الإجراءات والخطوات قد يعيق كثيرا من الأنشطة التجارية والاقتصادية ويولد خسائر وارتفاعا في الأسعار، خصوصا السلع الأساسية، وبلغ القلق أن الأسعار تضاعفت في فترة وجيزة خوفا من النقص في الإمدادات. البعض يرى أن الحل هو العودة إلى نموذج الأمن الغذائي الذي يقوم على الاعتماد على زراعة القمح وإنتاج غيره من الغذاء الضروري لمواجهة هذا التحدي الذي يمكن أن يتكرر في أي وقت، في ظل الأزمات التي يعيشها العالم اليوم وصعوبة الوصول إلى حلول سياسية لكثير منها بين دول العالم، والعالم يمكن أن يشهد تكرارا للمشهد في مناطق أخرى مع مخاطر كبيرة تتعلق بالإمدادات من الاحتياجات الضرورية.
قد يرى البعض أن بالإمكان دعم إنتاج مجموعة من السلع الضرورية مهما كلف الثمن وهو أولوية قصوى، وهذا إن حصل فإن تعقيدات المشهد العالمي أكبر من الصورة البسيطة التي كان عليها العالم قبل منظمة التجارة العالمية، وانضمام معظم دول العالم إليها، فإجراء ينشأ عنه دعم زراعة أنواع من المنتجات الزراعية أو إنتاج أنواع من الأغذية الضرورية، لم يعد ممكنا بجهد ذاتي لدولة واحدة فقط، إذ إن المشهد العالمي يشير إلى أن السلع التي يحتاج إليها للوصول إلى منتج محدد أصبحت معقدة بسبب العولمة، حيث تتركز بعض المنتجات في مناطق محددة في العالم نتيجة لتهيئة البيئة وانخفاض التكلفة، كما أن بعض السلع غير متاحة في دول كثيرة في العالم، والدول القادرة على التصدير محدودة لكل منتج، واذا أردنا أن نتكلم عن القمح فإن العناصر التي يحتاج إليها للحصول على محصول من القمح بغزارة، متعددة ومن مناطق مختلفة حول العالم، فعندما يكون الدعم كبيرا لزراعة القمح مثلا، فمن يمكن له أن يضمن أنه لا يوجد عوائق في الحصول على جميع العناصر التي يحتاج إليها في زراعة القمح بكمية كافية. والأمر كذلك في اللحوم والمنتجات الزراعية الأخرى، ولذلك فمن الصعب اتخاذ قرار في هذا الشأن دون التأكد من القدرة على الحصول على جميع العناصر المطلوبة دون وجود تعقيدات أو صعوبات كالحالة التي نشهدها اليوم في العالم.
المقترح الأهم في هذه المرحلة هو العمل على تطوير تقنيات الإنتاج والعمل على المديين المتوسط والبعيد على أن تكون هناك تقنيات يمكن لها أن تحقق إنتاجا غزيرا من السلع والغذاء وغيرها من المنتجات التي يحتاج إليها الاقتصاد العالمي، وهي متوافرة محليا ويعمل عليها حاليا في جامعة كاوست في مشاريع في المنطقة الشمالية الغربية للمملكة، فهي التي يعول عليها -بإذن الله- في تحقيق نقلة نوعية في إنتاج الغذاء بتكلفة أقل وبغزارة في الإنتاج وبإجراءات صديقة للبيئة.
الخلاصة، إن الاندفاع تجاه التفكير في الأمن الغذائي بمعنى أن يكون هناك دعم وإنفاق كبير قد لا يحقق المتوقع منه بسبب متطلبات الإنتاج التي تتطلب تكامل وتوافر عناصر الإنتاج، وبسبب تعقيدات العولمة أصبحت بعض المنتجات تتركز في مناطق محددة حول العالم، والأهم في هذه المرحلة هو الاستمرار في دعم التقنيات التي تعزز القدرة على إنتاج منتجات متنوعة في ظروف بيئية مختلفة وأدوات وعناصر فيها وفرة محليا، وتشجيع الجامعات ومراكز البحث في المملكة على الاستثمار في هذا المجال.
إنشرها