«يوم بدينا» .. 3 قرون من رفعنا الراية
إن يوم تأسيس الوطن السعودي الكبير هو يوم من أيامنا الخالدة التي أعلن فيها الإمام محمد بن سعود قيام الدولة السعودية الأولى في 22 شباط (فبراير) 1727م من عاصمة بلاده الدرعية الفتية.
ولهذا التأسيس جذور ضاربة في عمق تاريخ شبه الجزيرة العربية، وقصة هذه الدولة الفتية تبدأ من التاريخ الموغل في القدم يوم أن استقر بنو حنيفة في وسط الجزيرة العربية في مطلع القرن الخامس الميلادي، ويومذاك تأسس إقليم اليمامة الذي كان استقراره متركزا في منطقة العارض في نجد خاصة في وادي حنيفة.
وشهدت الجزيرة العربية بعد انتهاء الخلافة الراشدة حالة من عدم الاستقرار والتشرذم والضعف. وفي منتصف القرن التاسع الهجري وتحديدا في عام 850هـ / 1446م تمكن الأمير مانع بن ربيعة المريدي الحنفي من العودة إلى وسط الجزيرة العربية، وقام بتأسيس مدينة الدرعية "التي تكونت من غصيبة والمليبيد" وأصبحت فيما بعد نقطة انطلاق تأسيس الدولة السعودية الأولى التي أسسها وبنى مجدها الإمام محمد بن سعود، ثم الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الثانية، ثم الإمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الثالثة.
ونحن نحتفل جميعا بيوم التأسيس، نؤكد أن من أبرز أهداف يوم التأسيس هو الاعتزاز بالجذور الراسخة للدولة السعودية في جميع مراحل تاريخها المتطور، وكذلك الاعتزاز بالارتباط الوثيق بين المواطنين وقادتهم البررة الذين أكدوا وحدة الهدف والمصير والاستقرار والأمن مع الاعتزاز بالوحدة الوطنية للمملكة التي وضع أسسها وأرسى دعائمها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود.
في الأسبوع الماضي، احتفل الشعب السعودي ـ من أقصاه إلى أقصاه ـ بأول احتفال ليوم التأسيس في 22 شباط (فبراير) باحتفالات تاريخية وتراثية متنوعة، وعبر الشعب السعودي عن هذه المناسبة الوطنية المميزة بإقامة الاحتفالات وممارسة بعض الألعاب الشعبية والوطنية، كذلك قام الفنانون بتأليف الأغاني والأهازيج، وتغنوا بالأناشيد الوطنية، وعزفت آلات الطرب عديدا من المقطوعات الموسيقية المعبرة عن احتفاء الشعب السعودي بهذا اليوم المجيد، كما أقيم كثير من أقواس النصر في الشوارع والميادين ورفعت الأعلام السعودية فوق الساريات ابتهاجا بيوم التأسيس الموافق 22 شباط (فبراير).
وفي هذا اليوم من كل عام ستغمر أفئدة السعوديين مشاعر العزة والكرامة والشموخ في كل مرة تهل عليهم ذكرى تأسيس دولتهم أو توحيدها، ليقينهم بأن ملاحم أجدادهم العظيمة وسيرة دولتهم الخالدة التي قامت بسواعد فرسانها وقادتهم دون منة من أحد أو فضل لغير الله الذي قيض - سبحانه وتعالى - لهذه الأرض أئمة وملوكا أسسوا هذا الوطن العظيم الغني بعراقته ومكانته ووحدته وشموخه.
ولقد كانت نجد قبل مجيء الإمام محمد بن سعود إلى الحكم منطقة مضطربة تنتشر فيها الفتن ويغيب عنها الأمن والاستقرار. وكان الناس يشهدون للإمام محمد بن سعود بالنزاهة والحكمة، وبعد النظر، والرؤية الثاقبة، كان يراقب الأوضاع السياسية المحيطة به ويتابعها بكثير من الحكمة، وكان يدرك أن الموقف يقتضي ضرورة التفكير في بناء دولة على أسس عصرية تستوعب الظروف القائمة بعيدا عن دولة المدينة التي لا تستطيع أن تحمي حدودها من الطامعين المتربصين بها، وكان أهم الأسس التي ارتكزت عليها هذه الدولة الاستقلال السياسي بعيدا عن سياسة المحاور والتبعية للدول الكبرى التي بدأت تغازل دول المنطقة وتعبر عن أطماعها ورغباتها في بسط النفوذ والسيطرة.
ولكن الدولة السعودية الأولى أنعمت وحظيت باستقلال سياسي تام، ولم ترهن مقدراتها لأي قوة خارجية أو نفوذ أجنبي، وكان الإمام محمد بن سعود يتابع الأوضاع في واحة نجد باهتمام كبير، فتم بفضل الله ثم بفضل عبقريته الانتقال من دولة المدينة "في الدرعية" إلى الدولة الإقليمية التي تتمتع بقوة عسكرية واستقلال اقتصادي يؤمن الدولة أمام أطماع القوى الخارجية الطامعة.
ويجيء الإعلان عن ذكرى "يوم التأسيس" تجسيدا لقيم رفيعة عند المجتمع السعودي تتمثل في اهتمامه بتاريخ الدولة التي تعد امتدادا أصيلا لحاضرها ومستقبلها، وامتدادا أصيلا لحرص واهتمام قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بحتمية الحفاظ على التاريخ السعودي بخاصة وتاريخ الجزيرة العربية بصورة عامة.
ولذلك نستطيع القول إن يوم التأسيس هو مناسبة وطنية غالية علينا جميعا، وعلى كل مواطن أن يتوقف عندها مليا ويفكر في كل محطات تاريخ الوطن، وأن يلتقط من التاريخ الدروس والعبر، وأن يجدد العهد على الولاء والإخلاص لهذا الوطن الغالي، ويعد نفسه لتقديم مزيد من العمل والأداء المتفاني والإسهام بجهد وافر في عمليات بناء الإنسان وبناء الوطن.