Author

تقنية الروبوتات الإلكترونية وأثرها الدفاعي والصناعي

|

*أستاذ وباحث في الهندسة والأنظمة الابتكارية

في هذا المقال نواصل الحديث عن التقنيات والأنظمة الإلكترونية الأكثر فعالية في عالم الابتكارات النوعية، ومنها تقنيات الروبوتات الإلكترونية، التي أصبح لها دور كبير وأثر واضح في كثير من المجالات الصناعية بمختلف أنواعها سواء العسكرية منها أو الطبية أو التجارية "التجارة الإلكترونية" وغيرها وسنتحدث بشيء مختصر لنكوّن فكرة عامة عن مفهوم الروبوتات الإلكترونية ومكوناتها واستخداماتها وأهميتها ودورها الأساسي والحساس والمؤثر في تعزيز القدرة التنافسية والنمو الاقتصادي.
لعل فكرة الروبوتات Robots عموما أو ما يعرف بالتماثيل البشرية لم تكن وليدة اللحظة وإنما نشأت وتطورت هذه التقنية من جيل الى جيل منذ آلاف الأعوام، إلا أنه في الخمسينيات من القرن الـ 20، تعد هي البداية الحقيقة للروبوتات المبرمجة التي يمكن تعريفها بتعريف عام وأكثر شمولية بأنها الآلات القابلة للبرمجة بوساطة أجهزة الكمبيوتر لتكون قادرة على محاكاة كثير من الأعمال التي يقوم بها البشر وتنفيذ سلسلة من الأوامر والإجراءات المعقدة، وذلك بشكل مستقل وتلقائي، وتتكون هذه الروبوتات عموما من عدة مكونات رئيسة، ومن أهم هذه المكونات، المستشعرات الإلكترونية "حساسات" التي تعمل على اكتشاف الأشياء المحطية من حرارة وضوء وأجسام وغيرها، وأيضا المشغلات Actuators مثل المحركات والعجلات والمقابض وغيرها، وكذلك البرامج، وهناك عديد منها، إلا أن لغة البرمجة البايثون Python تعد هي من أشهر لغات البرمجة للروبوتات، ويتم عمل الروبوت بنقل المعلومات التي يتم جمعها عن طريق الحساسات إلى أجهزة الكمبيوتر التي تقوم بدورها بالتحكم في حركة الروبوت من خلال الخوارزميات "البرامج" أو بتلك الأعمال التي تم العمل على برمجتها مسبقا، وكانت أول براءة اختراع ويمثل هذا النوع من الروبوتات عام 1961 بمسمى يونيميت Unimate، وهذه البراءة عبارة عن ذراع ميكانيكية إلكترونية قابلة للبرمجة للمخترع جورج سي ديفول George C. Devol أمريكي الجنسية، وعمل على تطوير هذا الاختراع بالتعاون مع صديقه جوزيف ف إنجلبرجر Joseph F. Engelberger، العالم الفيزيائي والمهندس ورجل الأعمال الأمريكي ليصبح ابتكارا نوعيا في حينه ويستخدم كذراع للماكينات الآلية التي تستخدم ونراها في كثير من الصناعات حول العالم، وأصبحت هذه البراءة تمثل أساسا لصناعة الروبوتات الحديثة.
تنوعت صناعة الروبوتات بأشكالها وأحجامها المختلفة حسب الهدف الذي تم تصميمها من أجله، فهناك الروبوتات الصناعية، وهي تلك التي تستخدم في البيئة الصناعية لأغراض مختلفة؛ كأتمتة صناعة السيارة وغيرها، والروبوتات المحلية التي تستخدم في الأعمال المنزلية والمطاعم والزراعة وحصد المحاصيل وغيرها، والروبوتات الجراحية التي تستخدم لإجراء العمليات الجراحية التي يمكن للأطباء التحكم فيها عن بعد، وتتكون هذه الروبوتات عموما من عدة كاميرات للحصول على تصوير ثلاثي الأبعاد للمنطقة أثناء إجراء هذه العمليات، والروبوتات التعليمية، حيث أصبحت تستخدم كمساعدات للمعلمين في مراكز التعليم كتلك المستخدمة في أمريكا في مدينة سان دييجو في كاليفورنيا، والروبوتات الدفاعية التي تستخدم للقيام بمهام مختلفة، كالتجسس والتخلص من القنابل ومراقبة الحدود والطائرات دون طيار بمختلف مهامها واستخداماتها.
وزاد الاهتمام بهذه التقنيات النوعية وتتنافس الشركات والمراكز البحثية العريقة في تطويرها، وأصبح هناك تنافس قوي بين الدول الكبرى وبشكل كبير، خصوصا أن هذه التقنيات أمكن استخدامها، كما نشاهد في مختلف النواحي الحياتية. فعلى سبيل المثال، في المجال العسكري والدفاعي أصبح التنافس إلى مستوى دقة تصنيع هذه الروبوتات من الصغيرة منها إلى متناهية الصغر Microrobots وتطويرها باستخدام الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence-AI، وكذالك تلك الروبوتات التي يتم تطويرها - على سبيل المثال - في مراكز الأبحاث في جامعة هارفارد Harvard University حيث يتم العمل على تطوير الروبوت روبوبي Robobee، وهو روبوت طائر صغير الحجم قادر على التحليق فترات قصيرة من الوقت ويمكن إعادة شحنه عبر كابل طاقة، يصل حجمه إلى 80 ملجم وأجنحته 3 سم وتردد ضربات الأجنحة يصل إلى 120 هيرتز ويعد هذا الروبوت نقلة نوعية في تكنولوجيا التخفي الدفاعي، وهناك غيره من الروبوتات التي يتم تطويرها كذلك عن طريق بعض الشركات، مثل الروبوت DoGo الذي تعمل على تطويره شركة General Robotics للأعمال الدفاعية. وكما ذكرت سابقا، فإن التطور السريع في مثل هذه الابتكارات النوعية سيوجد مستقبلا جديدا من الجيوش الإلكترونية المسيرة، وسيغير المفهوم العملياتي للعمليات القتالية والدفاعية والأمنية، وهذا ما يؤكده كثير من الخبراء ويعمل عليه كثير من الدول المتقدمة، ففي الولايات المتحدة ارتفع الإنفاق على تطوير الروبوتات الدفاعية من 17 مليون دولار عام 2015 إلى 379 مليون دولار عام 2021.
وأصبح كثير من الدول الصناعية، مثل: الصين واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وغيرها، يعمل على أتمتة مصانعها وبشكل كبير، الأمر الذي سينعكس على القدرة التنافسية والنمو الاقتصادي، حسبما أشار إليه عدد من التقارير الخاصة بذلك، ومن هذه التقارير التقرير الذي أعدته المجموعه الاستشارية Oxford Economics وذكرت فيه أن عدد الروبوتات الإلكترونية تضاعف استخداماتها في جميع أنحاء العالم، إلى ثلاثة أضعاف خلال العقدين الماضيين، ليصل إلى مليونين وربع المليون، وأن المخزون العالمي من الروبوتات سيصل إلى نحو 20 مليونا بحلول عام 2030، وتحتل الصين المرتبة الأولى في استخدامات الروبوتات من بين جميع الدول، كما تعد ألمانيا من أكبر الأسواق للروبوتات على مستوى العالم.
ومما سبق يتضح لنا أن الابتكارات والتقنيات النوعية أصبحت هي المستقبل الذي يتسابق لتحقيقه كثير من الدول. ولا شك أن من أهداف رؤية المملكة الحكيمة 2030، مواكبة هذا التطور التقني الهائل. وهنا يأتي دور الهيئات والوزارات المعنية بوضع المنهجيات والخطط والاستراتيجيات ومتابعتها على كل المستويات، ومن ذلك العمل على أتمتة المدن الصناعية - على سبيل المثال - بإدخال التقنيات النوعية؛ كالروبوتات الخاصة بهذا المجال، وتفعيل التحول الرقمي، ونشر ثقافة الوعي بأنظمة الذكاء الاصطناعي. ولعل ما تقوم به "منشآت" حاليا من خلال عقدها عديدا من البرامج والورش التعليمية والتثقيفية والمسابقات والجوائز التحفيزية في هذا المجال أحد النماذج الجيدة لذلك، وكذلك ضرورة التعريف بهذه المنظومة من خلال التعليم والمناهج الدراسية على كل المستويات، وفي القطاع الدفاعي ضرورة العمل على دعم مراكز الأبحاث ومراكز التطوير وتحفيزها من خلال الهيئة العامة للتطوير الدفاعي، والهيئة العامة للصناعات العسكرية، ودعم وتشجيع توطين مثل هذه الابتكارات النوعية من خلال الشركات والمصانع المحلية والوطنية، وبذلك سنحقق - بإذن الله - ما نتطلع إليه من أهداف ريادية في هذا المجال.

إنشرها