Author

الصناديق الإسلامية وتجديد المعايير

|
تحقق الصناديق الاستثمارية الإسلامية قفزات سريعة رغم مواجهتها بعض المحطات العالمية الصعبة، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت 2008، والأزمة المماثلة تقريبا التي نجمت عن تفشي وباء كورونا، إلى جانب بعض العثرات التي واجهها الاقتصاد العالمي في هذا الوقت أو ذاك. واللافت أن هذه الصناديق لم تكن موجودة أصلا قبل 1994، بمعنى أنها حققت حضورا عالميا في فترة قصيرة حقا، وكغيرها من الصناديق الاستثمارية، بما في ذلك السيادية، واجهت التحديات لأسباب مختلفة، لكنها حافظت في النهاية على وتيرة نموها، وظلت وجهات مثالية لشريحة كبيرة من المستثمرين، لأسباب عديدة في مقدمتها حرصها الدائم في استثماراتها على التوافق مع قواعد الشريعة الإسلامية.
هذه الصناديق كغيرها من الصناديق الاستثمارية تضخ أموال الاستثمارات في قطاعات مختلفة، وأحيانا متشابهة، وعلى رأسها الأسهم والسندات والعقارات. ووفق المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، فإن سوق الصناديق الإسلامية حول العالم نمت بأكثر من 300 في المائة على مدار العقد الماضي، لتصل قيمتها الإجمالية إلى نحو 200 مليار دولار، في أصول تحت الإدارة.
ويبلغ عدد هذه الصناديق في العالم اليوم 1508، تديرها 345 مؤسسة مالية إسلامية في 29 دولة، وهناك مؤشرات تدل على إمكانية ارتفاع عدد هذه الصناديق في العقد الحالي، مع استمرار زخم الاستقطاب نحوها من قبل مستثمرين من مختلف المستويات المالية، خصوصا مع سهولة الوصول إليها عبر المصارف الإسلامية الخالصة، وتلك التي توفر خدمات مالية استثمارية إسلامية، كجزء من خدماتها لشريحة محددة من العملاء.
الملاحظ في النمو الذي حققته الأصول الإسلامية تحت الإدارة، أنها في 2020، أو عام جائحة كورونا، التي توقف خلالها العالم بصورة شبه تامة، نمت 13.7 في المائة، رغم أن ذلك كان أبطأ من النمو الذي حققته 2019، وفي 2020 كانت حركة الاستثمارات حول العالم مضطربة بفعل الاضراب الاقتصادي العالمي، لكن هذه النسبة رغم انخفاضها تعد قفزة نوعية في زمن الأزمة. ومن الواضح أن الأصول الإسلامية تحت الإدارة تنتظر قفزة أخرى كبيرة في الفترة المقبلة، مع عودة الحياة على مستوى العالم إلى طبيعتها وتسارع النشاط الاقتصادي العالمي، ليس فقط من أجل تحقيق النمو الذي يحتاج إليه هذا العالم، بل لتعويض ما أمكن وبسرعة للخسائر التي نجمت عن الانكماش. ولأن وتيرة حراك الصناديق الإسلامية واعدة، فقد نمت الأصول تحت الإدارة في العام الماضي، وهو العام الذي عادت الحركة فيه للاقتصاد العالمي، إلى أكثر من 195 مليار دولار في نهاية الربع الثالث، بارتفاع 17.1 في المائة عن نهاية 2020.
لكن بلا شك، يبقى هذا القطاع رغم هذه القفزات، في مراحله الأولى، فيما لو قورنت بالصناديق الاستثمارية التقليدية، ومن الواضح أنه يتطلب مزيدا من الوقت ليكون رقما أساسيا في عالم الاستثمار العالمي.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مناطق توسعه لا تزال محصورة بصورة أو أخرى في أسواق الشرق الأوسط، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا.
المطلوب حاليا لهذه الصناعة العمل المتواصل لرفع مستوى حضورها على الساحة الاستثمارية الدولية، بما في ذلك تطويع القواعد، واللوائح، بما يخدم أهدافها، ويرفع قوة قاعدتها، في كل الأسواق، وهذه نقطة مهمة على طريق توسع نطاق الصناديق السيادية، وزيادة حجم الأصول تحت الإدارة.
التحديات تبقى كبيرة، لكنها لن تكون كذلك إذا ما توصل القائمون على الصناديق الإسلامية إلى تجديد معاييرها التنظيمية بما في ذلك الحوكمة الشرعية، وهذا يضمن لها القدرة على التوسع وتطوير سوق المال في الأجل الطويل، وفق كل الجهات المهتمة باستدامة بهذه الصناديق.
إنشرها